بقلم الأستاذ حميد طولست
مناسبة الأول من شهر ماي اعتادت الطبقة العاملة أن تخرج للتظاهر في شوارع كل بلدان العالم المتحضر منها والمتخلفة ، وحتى تلك التي تنعم فيها الطبقة العاملة بكل المكتسبات والحقوق والكرامة ، تخرج جميعها ، وفاءً أو اعترافاً أو تخليداً لنضالات الذين سقطوا من عمال شيكاغو -عام 1886 – دفاعاً عن الحقوق المهضومة ، والحريّات المنتهكة للعاملين.
ما يمكن ملاحظته اليوم في فرنسا هو عموم الشعب الفرنسي بكل فئاته لمشاركة العمال في احتفالهم بهذا اليوم، اعترافا لهم بالشكر والامتنان على ما بذلوه ويبذلونه من تضحيات صادقة لتنمية وازدهار عموم المجتمع بكل شرائحه وأطيافه والذي يعود بالنفع والفائدة على البلاد.
أتخيل من باريس ، أن عمال العالم العربي عامة ، والمغربي على وجه الخصوص ، قد خرجوا هم أيضا عن بكرة أبيهم كما يقال ، كغيرهم من عمال غالبية بلدان الدنيا المتحضرة والمتخلفة وتلك التي هي في طريقها للنمو ، لنفس المناسبة ، لكن ليس لنفس الغاية ، حيث أن خروجهم هنا كان للاحتفال والمطالبة بالمزيد من المكاسب والحقوق التي ينعمون بها ، بينما خرج عمال بلادي ، هناك في المغرب ، كعادتهم كل فاتح ماي من سنة ، ومند أمد طويل ، إنما هو خروج للتحسر على الماضي التليد ، والنحيب على المستقبل العنيد ، والتألم من خيبات الآمال التي تعيشها العمال من دون الطوائف الأخرى ، خرجوا للاحتجاج على البؤس الفاحش والقهر المتوحش ، و للتنديد بكل أنواع الاستغلال وضروب الاستبداد ، خرجوا لرفض ظروف العمل السيئة المضنية ، والأجور الهزيلة الظالمة والخدمات الاجتماعية السقيمة ، خرجوا وسيخرجون وسيستمرون في الخروج إلى مالا نهاية ، عبر مئات السنين المقبلة ، والآلاف “مايات” القادمة ، بدون ملل أو كلل ، صابرين على الكرامة المغدورة ، مستسلمين لوهم الحرية المنذورة ، محتسبين الله في الهيمنة والتغريب والقسر والتعذيب … ما جعلهم في نظري ، يستحقون ، من بين كل عمال العالم ، كل معاني الإكبار والاعتزاز والتقدير ، ودخول كتاب “جينيس” لتحطيمهم الأرقام القياسية في الاستمرار في الخروج رغم علمهم بعدمية تأثير خروجهم في مفاوضات حكومية لا تحقق تطلعاتهم التي أنهتكها هجومات الدولة المتواصل على مكاسبهم التاريخية ، من تجميد الأجور ، ونسف ما تبقي من القدرة الشرائية ، مع إنهاء وجود صندوق المقاصة(صندوق دعم المواد الأساسية ، وقمع الحريات النقابية بتقييد الإضراب قانونيا وتجريمه جنائيا، والاقتطاع من أجور المضربين .. وفي الختام أهنئ كل عمال العالم بعيدهم العمالي ، وأقول لعمالنا مبارك ومسعود عليكم خروجكم لتجريب الحناجر المبحوحة التي لم تعد ملككم ، وإنما هي ملك للذي يحجر على عقولكم ، لتخرجوا وفق أهوائه وحسب مصالحه ، راضين طائعين ، ولن أقول صاغرين تتصايحون .