مخطئ من يجرؤ على الوقوف في وجه الفساد، وواهم من يظن أن غضبة شارع ، أو مسيرة اعتصام ، أو صرخة ثكلى ، أو خطبة منبر ، أو مقالة كاتب ، قد تحدّ من أثر الفساد وترجعه القهقرى ، وساذج من يعتقد أن رحيل حكومة ومجيء أخرى قد يطهّر المجتمع من الفساد ويمسخ هيبة المفسدين! هيهات هيهات أن نظنّ يوماً أن مطر التغيير سيغسل الدرن ويمحو العفن،أو أن يشرق صباح الوطن وقد خلا من السرقات، واستغلال المناصب،و الاحتكار،والرشاوى، والتوظيف بحسب المحسوبية ، والمحاباة ، والواسطة، وسوء استغلال الصلاحيات، وتغليب المصلحة الخاصة على المصلحة العامة، والتوريث الوظيفي ، وكل ما ينخر في جسد الوطن (الجميل)!
مخطئ من يزعم أن رحيل النواب والمجيء بغيرهم سيصحح المسيرة ، ويضع حداً للتجاوزات وسيكشف ستر المتلاعبين بالمال العام والخاص ،وسنّ تشريعات تقوي الاستثمار ـ وتحدّ من هروب الأموال ، وتوفّر فرص العمل ، وترقع جيوب الفقر ، وتنهي البطالة ، بل سيظل بعض النواب يضفون الغطاء القانوني لكثير من الممارسات المشبوهة ؛ لتحقيق مكاسب خاصّة.
لكلّ ذلك أقترح على (حكوماتنا)لأننا نعيش في ظل أكثر من حكومة ، أن تضع في خطتها القادمة ، إنشاء مراكز اجتماعية في مختلف أنحاء المملكة ، تتبنى إعطاء دروس ومحاضرات توعوية ، في كيفية التعايش مع الفساد كقدر محتوم ،تماماً كما يتعامل الطبيب مع مريض السرطان ، يكتسب المواطن من خلالها خبرات حياتية جديدة ، يغير معها أسلوب تعامله مع الفساد ، فيراه كقدر ثابت لا يتزحزح ، لعل ذلك يخفف من التوترات النفسية والاجتماعية ، ويصبح معها الفساد ذا طعم سائغ يتناوله مع كل جرعة ماء ، فيستريح الوطن من اللأواء، ويريح نفسه من التسخط والتذمر والشكوى ، ويوفر عليه عناء التسمّر أما شاشات التلفزيون ، وصفحات النت ، و يوقف الحديث في قوله :لازم ، ولازم ، كما أقترح على حكوماتنا أن تضع برامج للإعلاميين (الموتّرين) للناس ، تكسبهم من خلالها مهارات (كيف تصبح بوقاً للفساد ناجحاً) فيتحول أحمد و زملاؤه إلى كتاب (مبشرين ومهللين) ، ويريحون الناس من التعليق والكتابة بأسماء مستعارة ، ويقوم وزير أوقافنا المبجل بإصدار تعاميم إلى خطباء المساجد بأن يركزوا في خطبهم على قضية الزهد في الدنيا ، وأنها لا تساوي جناح بعوضة، وأن يحذر الناس من غضب الله عليهم من كثرة اغتيابهم للحكومة الدرويشة ، وهكذا ، حتى ينعم المجتمع بالأمن والطمأنينة ، ويبيت الحمل في جوف الذئب مسرورا.