بقلم الاستاذ حميد طولست
يتيه المواطن البسيط ، في بحار العجب والدهشة من فوضى الأجواء السياسية غير الواضحة التي تعيشها بلادنا اليوم ، ويأخذه الاستغراب مما وقع قبل أيام ، تحت قبة البرلمان ، ويكاد هذا المواطن المسكين -الذي أختلط عليه البقر – يصدق ما يسمع وما يرى وما يشاهد من فوضى صارخ اختلط فيها حابل نابل من انتخبهم ليدافعوا عن مصالحه ، وكذب نفسه فيما إذا كانت هته أخلاق وسلوكيات البرلمانيين عامة ، وذوي التوجه الإسلامي منهم على وجه الخصوص ، الذين لم يتوقفوا قط -مند توليهم الحكم-عن تذكير الأمة بعض تعاليم الدين الإسلامي الحنيف ، التي هم أول المخالفين لمضامينها ، وخاصة منها ما تعلق بسلوكيات أداء الوجبات والوفاء بالعهود التي رفعوا شعاراتها خلال الانتخابات ، وإنجاز الوعود التي قطعُوها على أنفسهم أيام المعارضة ، والتي أمر الله بأدائها كاملة ..
الوضع الذي يدفع بالمواطن للتساؤل – وذاك من حقه -عن مآل الظروف المعيشية المزرية ، التي يكابد سعارها في ظل تدهور الوضع الخدمي المعيشي والتنموي والاجتماعي والاقتصادي ، وفي انتظاره الحار ، لمعرفة تاريخ محدد أو حتى متوقع ، لانتهاء معاناته مع مآسيه وهمومه اليومية ، التي يعيشها منذ أعوام ، وموعد مضبوط أو تقريبي لتوقف حالات التشرذم والانقسامات والمهاترات والاتهامات بين من يتولون شأنه العام .
ورغم إدراك المواطن المغربي بأن مهمة الحكومة ليست بالهينة ، وإدراكه أيضا بأنها في موقف لا تحسد عليه ، إلا أنه لا يريد من حكومته وجميع المكونات المشاركة فيها والتي يطلقون عليها “حكومة التوافق الوطني” ، إلا أن تنجز ما تعهدت به ، على مسمع ومرأى من الجميع ، سواء داخل الوطن أو خارجه خلال الانتخابات ، وتفي بوعود السيطرة على الأزمات ، والارتقاء بالمجالات الخدماتية التنموية التأهيلية والاقتصادية ، لتحسين الظروف المعيشية ، وتثبيت الأمن وتحقيق الأمان والازدهار والنماء ، والأولويات التي يعتقد المواطن بأنها أمور هينة التطبيق ، سهلة الإنجاز ، وتستطيع أي حكومة جادة – إسلامية كانت أو حتى لا دينية – من إنجاز الكثير منها ، إن هي رغبة في ذلك ، أو حتى إن هي نويت على ذلك ..
الأمر الذي لم يتم حتى اليوم ، مع الأسف ، ولم ير منه المواطن الصبور ، أي مؤشر يطمئنه على أن الاتجاه العام للحكومة يسير نحو تحقيق ما وضعت على نفسها من التزامات و تعهداتها ، والتي هو في أشد الحاجة إلى رؤية لو بصيص ضوء منها في نهاية النفق الذي وضع فيه .
وبدلا من أن تضع حكومة بلادنا الموقرة مواطنها المغبون نصب أعينها وفي حدقاتها ، وتعمل على خدمته وتحقيق رفاهيته ، وتعويضه عما لحق به – خلال عقود من الزمن – من الظلم والاستبداد والفقر وشظف العيش والبطالة ، تعويضه بحياة كريمة وتشريعا قوانين قادرة على أن ترفع من مستواه المعيشي ، وتقليص كل ما يرهق ويستنزف ميزانية الدولة ، من مصروفات فرعونية تهدر على السفارات والقناصل وسفريات المسؤولين والوزراء ، ورواتب خيالية ومخصصات وامتيازات لا حصر لها ، التي تصرف دون طائل وتحرم المواطن من ابسط حقوقه في جميع المجالات ، ويوقف أو يعثر الكثير من المشاريع الخدمية والاقتصادية والصحية والتنموية المفيدة له ، وفضلت ممارسة ما يسمونه باللعبة السياسية بين لاعبين سياسيين بعيدين كل البعد عن الآلام عموم الشعب ، واستمرأت التمادي فيها ، في ظروف بالغة الخطورة والحساسية والعصيبة ، لغاية في نفس يعاقبتها. ما يحتم على عقلاء القوم وكبار القادة السياسيين والوطنيين المعبرين بحق عن الضمير الوطني العام بكل تنوعاته ، ويفرض على الشخصيات المجتمعية الحرة والمستنيرة التي تستطيع أن تقول للفاسد أنت فاسد ، وللمرتشي أنت مرتش ، وللظالم أنت ظالم ، دون انحاز إلى تيار على حساب تيار آخر ، ودون خشية من بطش أحد ، ويلزم على كل هؤلاء القادة الوطنيين الذين لها تأثير كبير على الشارع ، والذين لا يخشون في الله لومة لائم ، شد عزمهم وحزمهم ، لإجراء عملية قيصرية سريعة لتعديل كفة الميزان ، وتغلب المصلحة العامة على الخاصة ، خدمة للوطن والمواطن ، بما يملكون من أساليب دبلوماسية متحضرة في فض النزاع ، ورأب الصدع ، ودرء الفتنة ، ووأد نار الانقسام ، وتقريب وجهات النظر والوصول لنقاط تسوية ، حتى تخمد نار الحقد والكراهية والعداء ، التي شبت بدوافع وهمية ونفاقية بين من يسمون أنفسهم سياسيين ، وما هم بذلك ، إنما هي الديمقراطية الأشرس من الديكتاتورية ، لأنها تجبرك على الاستماع إلى رأي الحمقى ، كما قال برنارد شو …