توصلت فاس نيوز عبر بريدها الالكتروني برسالة من عدنان ابن المناضل الاتحادي حسن المنيوي يرثي فيها أباه و يحكي سيرته الذاتية منذ ازدياده حتى وارى الثرى بأحد مقابر الحاضرة الإدريسية ،و لنبل المشاعر و حب ابن لأبيه ارتأينا نشر الرسالة كما وردتنا دون زيادة أو نقصان :
يصادف يومه الخميس عشرين شوال 1436 ه الموافق لستة غشت 2015 م الذكرى السنوية الأولى لوفاة والدي المناضل الاتحادي حسن المنيوي الذي يرقد في قبره آ منا مطمئنا بإذن الله و الذي يعتبر من الرعيل الأول للاتحاد الوطني للقوات الشعبية و من مؤسسي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والكونفدرالية الديمقراطية للشغل و الفيدرالية الديمقراطية للشغل بمدينة فاس.
حسن المناضل
رأى النور بقصر إرارة بمدينة الريصاني مهد الدولة العلوية الشريفة، تابع دراسته الابتدائية بنفس المنطقة، أما الإعدادية فبمدينة أرفود، ليلتحق بعدها بثانوية مولاي سليمان بالعاصمة العلمية مدينة فاس أواسط الستينات من القرن الماضي، كان تلميذا نجيبا و متميزا في شعبة العلوم الرياضية، و كان أساتذته يتنبئون له بمستقبل زاهر، لكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن، إذ لظروف عائلية قاسية سيغادر التلميذ النجيب صفوف الدراسة ليلتحق بسوق الشغل، الذي سيحفر فيه اسمه من ذهب، حيث كان يعتبر من أبرز و أكفء مقاولي الأشغال العمومية على صعيد جهة فاس ـ بولمان و ذلك بشهادة عدد كبير من مهندسي القطاع الخاص أو التابعين لوزارة التجهيز التي كانت تسمى بوزارة الأشغال العمومية….
التحق المشمول برحمة الله منذ نعومة أظافره سنة 1963 بالاتحاد الوطني للقوات الشعبية عن سن يناهز خمسة عشر سنة و هو لا يزال تلميذا بإعدادية أرفود، بعدما تشبع بالمبادئ الأولى للعمل السياسي و النضال التقدمي عن طريق أبيه رحمه الله الذي كان مناضلا في حزب الاستقلال بمدينة الريصاني و من مؤسسي الجامعات المتحدة لحزب الاستقلال التي تمخض عنها تأسيس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، هذا دون نسيان جده من أمه المسمى الحبيب بن الحسن الفيلالي رحمه الله، الذي كان قائدا لمقاتلي و مقاومي منطقة تافيلالت ضد جيوش فرنسا الاستعمارية في محاولاتها الأولى لدخول منطقة تافيلالت، إذ كان والد أبي رحمه الله يحدثه منذ نعومة أظافره عن بطولاته و بسالته في ساحات المعارك ضد قوات الاستعمار الغاشم، و كذلك عن خصاله و شيمه و كرمه و هو ما ساهم في بدء تكوين شخصية المناضل الشهم ، أما في سنوات الدراسة بإعدادية أرفود فقد لعب المناضل النقابي و الاتحادي الفذ المرحوم أحمد المتوكل، الذي كان أستاذا لأبي رحمه الله، و الذي لعب دورا طلائعيا في في صقل شخصية تلميذه النجيب المناضل في صفوف القطاع التلاميذي الاتحادي و الذي كان معجبا بشخصية الشهيد المهدي بنبركة و الفقيد عبد الرحيم بوعبيد٠، و الذي سيكون له كاريزما و شأن كبير في مستقبل الأيام ٠ ظل الفقيد زاهدا في تولي المناصب الانتخابية وغيرها. حسن الأخلاق لا يتوانى عن تقديم يد المساعدة للقريب و البعيد متفاني في الإخلاص لمبادئه وللقضايا التي يناضل من اجلها ، و كان بيته في حي زازا سنة 1978 خلية لعقد بعض الاجتماعات التي تمخض عنها المولود النقابي الجديد المتمثل في الكونفدرالية الديمقراطية للشغل.
واكب رحمه الله جميع المحطات النضالية لحزب القوات الشعبية، عايشه المناضلون الذين كان لهم بمثابة الأخ و الرفيق و الصديق، حيث كان يناضل من أجل وطن حر و غد أفضل بنكران الذات و بعيدا عن الحسابات السياسية الضيقة، و هو ما جعل جميع الاتحاديين و غيرهم من الناس الذين يعرفونه من مختلف المشارب السياسية و النقابية يكنون له الاحترام و التقدير بفضل طيبوبته و نبل أخلاقه، و حبه لحزب الشهيد بنبركة وتقديره لمناضليه٠
با حسن كما كان يحلو لعدد من المناضلين و الأصدقاء و الأقرباء، أن ينادونه به دائما كان رجلا متميزا و مناضلا في صمت بعيدا عن البهرجة المبتذلة ، محبا و مدعما ماديا و معنويا للجمعيات التربوية و الشبابية الموازية للحزب، كحركة الطفولة الشعبية و الجمعية المغربية لتربية الشبيبة و المواهب للتربية الاجتماعية و الأوراش المغربية للشباب، إذ كان يعتبرهم ترسيخا للفكر التقدمي الحداثي لدى الشباب و أجيال المستقبل٠
حسن الإنسان
ماذا اقول والراحل اعظم من الكلمات ؟؟ ماذا اقول وقد جف مداد قلمي؟؟ فهل ابكي وقد ضاقت الانهار بعبراتي وكيف أرثيك وأي اللغات تسعفني؟؟ من أين أبدأ .. هل أبدأ بالحديث عما أصابني بعدك ؟ أم أصف ما كنت عليه بوجودك؟ ولعل ما حل بنا يحتم علي البدء بذكرياتي معك وبلحظات السعادة التي قضيتها بقربك .. وبحنانك وعطفك… وحبك المتواصل والتي كانت تمر دون ان أشعر بها .. ولم أكن أضع في حسباني في يوم من الايام ان هذه اللحظات سوف تنتهي فجأة ..
إن الكلمات تعجز عن رثائك فكيف نرثيك أبي .. وأنني أتذكرك الان امامي في قيامك للصلاة أو للعمل أو لحضور نشاط حزبي أو لقضاء حوائج الناس أراك على عجلة من امرك .. و كأنك تعرف ان الموت سيخطفك عنا بهذه السهوله .. لأنك لست من سكان هذه المعمورة المادية التي كثر فيها النفاق و تقلب الوجوه…
هاهي الذكرى الأولى لرحيلك .. ولم نر نور وجهك المبتسم ، والذي يدمي القلب ويعمق الجراح إنك ابكيت محبيك … و عزائي الوحيد أنك لا زلت في القلب و الذاكرة ولن ننساك أبد الدهر…
لأولِّ مرةٍ أجدُ قلمي جافاً حافاً أشحذ مدادَه وأستجدي خطاه ، ليحاولَ وصفَ رجلٍ أتهيَّبُ فكرةَ الحديثِ عنه؛ كوني سأظلمه لا شك.
في السادس من غشت 2014 .. توفي والدي الحبيب ، هل أقول إن ذاك الخبرَ كان صاعقةً أحرقت عروقي ، أو خنجراً موبوءاً دمّرَ فؤادي ، أو موتاً قبل الموت غصَّ في حلقي ، ولربما كلها مجتمعة
زفراتٌ ودمعاتٌ ولهيبٌ لا يطفئُه سوى الاسترجاع؛ فإنا لله وإنا إليه راجعون، ولله ما أخذ ولله ما أعطى، وكل شيء عنده إلى أجل مسمى.
الحمد لله حتى يرضى، وله الحمد إذا رضي، وله الحمد بعد الرضا لا إله إلا الله العلي العظيم ترطب ألسنتنا وتسقي أفئدتنا؛ وقد كان يرفرف بها لسان والدي حتى في غيبوبته
إن شئتم حدثتكم عن والدي الرجل! وإن شئتم الأب، أو الصديق، أو الحبيب، أو سموه ما شئتم… كل ذلك كان أبي.
أب – والله – ليس ككل الآباء. في نظري ونظر كل من عرفه ، فريد في صفته وتعامله وخلقه.
أبي.. أشعر أن أنفاسي تخنقني وأنا أشرع في الكتابة عن خلقك! هل سأقول خلق الصالحين أو سمة الأنبياء؟! لا والله.. لا أغالي إن قلت (ان اخلاقك توزن بلد بأكملها) إي والله! أجدني بحاجة إلى أن أكتب وأكتب؛ غيرَ أن ذاك الوصفَ مروٍ للعطش شافٍ للعلة..
الورع والبعد عن الشُبه مَسلكُه، حب الفقراء والمساكين سلوته.. آه أبتاه حديث (لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) كان شعار عملك.. كم وكم من الصدقات والقربات اتضحت لنا بعد موتك!
كم من امرأة وطفل ورجل أتوا وينتحبون في بيت عزائك .. وكنا نحن من نعزيهم فيك، لا أنسى ذلك الشخص الذي قابلني قبل ايام بعد وفاتك وقال لي رحم الله ابوك رحم الله مفرج الكربات عن الناس والفقراء – رحم الله والدك المناضل الفذ الذي كان يكفل الايتام- رحم الله والدك الذي لم يبخل يوما في تفريجه عن الناس .. ويقول هؤلاء من يُعزون في المشمول برحمة الله حسن المنيوي ابشر اخي سنسلك نفس الطريق الذي سلكه والدنا الغالي وسنسير على نفس الدرب ما دامت السموات والأرض – كيف كان والدنا وحبيبنا بارا بوالديه سنكون له كذلك ! لن ننسى من كان والدنا يبرهم ويقدم لهم – ان شاء الله.
في بيتنا كان لك حضورك وهيبتك مذ طفولتنا، نتسابق حين مقدمك لنقرب لك ما تريد، لم ترفع يدك ولا صوتك لتأديبنا، غاية ما هناك – إن حِدْنا – أن تنظر إلينا من زاوية إحدى عينيك فنكُفّ! سبحانك ربي.. الذي أنزل في نفوسنا هيبتك (بغير خوف) دون أن تُعنِّف أو تضرب.
يا لجمال جلساتك الطيبة معنا.. تُلاطفنا وتقص علينا قصص الأولين والآخرين، وتُعبر عن محبتك، وتتفقد كل واحد منا، وتحزن لغياب أحدنا، تتمنى دوما لو اجتمع كل أبنائك حولك.. إنها قمة سعادتك…………. لقد انتقلت الى الفردوس الاعلى ونحسبك كذلك لاننا ندرك سيرتك الدنيوية العطره -نعم ان شاء الله ستكون منزلتك في عليين وفي الفردوس الاعلى عشت كريما و مت كريما لم تسئ لأحد في حياتك ، لكن هناك من اساء اليك بالقول واللفظ و الفعل ، فمن اساء اليك ، فلا سامحه الله ، نحن نقول ولكن المرحوم ابي لم يقلها وإنما مات وهو يسامح ويصفح ،فالله درك يا والدي الحبيب يا حسن الاسم و الوجه و الأخلاق.
رحمك الله أبي وعوضك راحة في الفردوس الأعلى بصحبة الأنبياء والشهداء والصالحين
لم نعرف لك عدوا أبدا، كل الناس اجتمعت على محبتك، شهد بذلك جموع المصلين الغفيرة والمعزين؛ بل والمشيعين للجنازة
لا أعجب مما أسمع ولا مما يقوله الناس؛ لأني أعرف أبي جيدا لا اعجب عندما رأيت الممرضين والأطباء يبكوك-ايقنت انك محبوب عند كل من عرفكّ…
لم يُعهد عنه طيش الشباب ولا غرّة الصبيان، ارتبط بعمله و النضال في صفوف الحركة التقدمية و خدمة الصالح العام
منك أبي نتعلم كل شيء بلا لغة! سوى لغة العمل؛ صدقك أمانتك سلامة صدرك ورعك نزاهتك كرمك… إلى آخره.
لسانك لم نعهد منه إلا الدعاء وجميل اللفظ! لسنا وحدنا من يشهد بذلك، بل شهد به القاصي والداني!
آهٍ أبتاه.. حلمك يعجب منه الحلم! منك تعلمنا أن كل شيء يأتي بالحلم أو التحلم. قدرتك على اختراق قلوبنا وعقولنا بكمال خلقك عجيبة جداً! أسرتنا صغارا وقدتنا كبارا وعلقتنا بك بذكراك بعد وفاتك.
في كل موقف.. وكل بقعة.. وفي ذهن كل واحد منا؛ لك أثر.. ذهب؛ غير أن ريحَه باق.
إن كانت شهادتنا بك مجروحة فقد كانت جموع المصلين والمشيعين والمعزين والبعيدين والقريبين تشهد لك بالخير والبركة.. ألوفهم المؤلفة تنبئ عن مكانتك.. وتحكي قصة حياتك، ولا زلنا – رغم مرور سنة على سكناك الروضة – نسمع من قصص القريبين والبعيدين والغرباء والأجانب معك ما يُضاف لما نعرفه عنك ويزيد إعجابنا بك.
ماذا يسعني أن أقول في رثاء والدي؟ أجدني والله عاجزا على المضي في الكتابة عنه؛ كونها لم تشفِ غلة! وقد ظللت شهرا مضى أهدهد قلمي أسأله المسيل.. فكانت قطراته تتردد لعظم الخطب وجسامة التقصير.. فوالله إني مقصر في حقك أبي، كتابة مقال ليست شافية.. فالسنون التي قضيناها معك بحاجة لسنين من الكتابة علنا ننقل شعلة ونبراسا لما تعلمناه منك.
لست أنسى وأنا أضع القلم أن أعزي والدتي الحبيبة تلك المرأة الصابرة الوفية السائرة على إثرك، وأسأل الله أن يمد في عمرها ويرزقها العمل الصالح، كما أعزي نفسي المكلومة واخواني، ولا يفوتني أن أعزي كل الاحباب والأصحاب والأقرباء و مناضلي الصف التقدمي و الديمقراطي الذين يعرفون والدي عن قرب وكثب ، نسأل الله أن يمد في عمر والدتنا ويجزيها خير الجزاء ويعيننا على برها ويجمعنا بوالدنا في الفردوس الأعلى..
وأخيرا ، انني لا اكتب بالمداد ولكن بدم القلب فعذراً ان ظهرت أثار الجروح في سطوري وها هي الكلمات تتوقف لتعلن سلاماً على روحك الطاهرة يا أبي.
قلم: عدنان المنيوي