بقلم الاستاذ حميد طولست
بمناسبة بدء هوجة الانتخابات الجماعية والجهوية والغرفة الثانية في المغرب، والمزمع إجراؤها ابتداء من الرابع من سبتمبر المقبل ، والتي يأمل المغاربة قاطبة ، أن يلهم الله الناخبين هذه المرة حسن اختيار من يمثلهم من ذوي العقول الكبيرة والخبرات العظيمة المخلصة ، من شرفاء هذا البلد وحكمائها ، المعروفين بالصدق والأمانة ، والمشهورين بالصلاح والرشاد والوفاء بالعهود والوعود ، الذين تحبل بهم بلادنا ، ليحلوا محل بعض حثالات من فازوا حينذاك – سواء باستعمال المال المشبوه مجهول المصدر، أو معلومه ، من مخدرات وما هو أقذر وأخس ، أو من الذين استخدموا الخطاب الديني الطائفي- ولتكون منهم المجالس المنتخبة الجديدة التي تقود البلاد إلى ما هو أفضل من سابقاتها التي نزلت بها إلى أسفل سافلين ، بما أشاعته من فساد مبين ، جعل المواطن المغربي يكفر بالسياسة والديمقراطية والانتخابات ، ويحتار طويلا كلما حل موعد أي استحقاق أو استفتاء ، في من سينتخب، ولماذا سينتخب ، السؤالان الخطيران اللذان أصبحا على بساطتهما ، الشغل الشاغل لتفكير الغالبية العظمى من المغاربة ، بعد احتدام الساحة الانتخابية بالصراعات اللإنساني وتزايد التطاحن والتلاسن بين مرشحين “قرود” أي قردة ، لا تهمهم مصلحة المغرب دولة ولا شعبا، بقدر ما يهمهم الاقتتال من أجل تحقيق السلطة والنفوذ خدمة لأهداف ومصالح ذاتية وأنانية على حساب المغلوب على أمرهم من المواطنين..
أعود للـ “قرودة” ولماذا نعتت بعض المرشحين بتلك الصفة التي لا يمكن أن يوصفوا إلا بها – باستثناء أقلية قليلة ممن رحم ربى منهم ، والتي اعتذاري لآدميتهم المحترمة التي حشرت مع مثل تلك الكائنات الانتخابية -، لتأكيد على أنه الوصف الوحيد الذي يليق بهم ، لأنهم نماذج متكررة على كل لون ، تراهم يتحزبون هنا أو هناك ، دون أن ينتموا لأي حزب ، ولا علم لهم بالبرامج السياسية للأحزاب ، حتى برنامج الحزب الذي ترشحوا باسمه ، وإذا أنت سألت أحدهم عن ذلك ، تجده متوهجا يتقافز بالشعارات الفضفاضة ، والعبارات الطنانة التي لقنها لتوه ، ولكنه منطفئ خامدٌ لا يعرف الفارق بين السلطات التنفيذية والتشريعية، ويخلط بين البرنامج السياسي وبين البرنامج الانتخابي ، لأنه لا يحمل أي فكر سياسي ولا حتى ثقافة عامة ولا خاصة ، ولم يتم تثقيفه سياسيا حتى يتمكن على الأقل من التمييز بين البرامج ، والأدهى أنه لا يكلف نفسه عناء البحث عن الأدبيات التي يجب أن تتوفر في الأحزاب ، ولا يعرف أن وجود حزب بدون برنامج سياسي ، يعني أن ذلك ليس حزبا بالمعنى الاحترافي السياسي ، وإنما هو مجرد حانوت يعلق على بابه يافطة حزب مرخص له لبيع “التزكيات” – الشيء الوحيد ، والأهم ، والذي يروق لأكثر المرشحين– التي يتسللون بواسطتها لمناصب النفوذ والسلطة عبر مقاعد المجالس المحلية والبرلمان ، التي يحققون عن طريقها مصالحهم ومصالح أهليهم ودويهم ، الهدف الأقصى والنهائي الذي يعملون من أجله بكل الوسائل غير الشرعية والسبل القذرة ، من سلوكيات الكذب والغش والخداع المغلفة بمعسول الكلام ، وألاعيب التلون والانتهازية المتأنقة بطقوس الزهد والورع والتصوف ، ما جعل الغالبية العظمى للمغاربة أكثر حيرة في تحديد ماهية من سينتخبون؟ ولماذا سينتخبونه ؟ .
وحتى إذا نحن لم نشك بحسن نوايا السادة المرشحين ونظافة أيديهم ، وأنه لا يجمعهم جامع كما تجمعهم الرغبة في محاربة السرقة ومنع قوى الشر والبغي من العبث بالمال العام ، الذي يبرؤون لله مما يحدثه من خراب الديار الذي لا يد لهم فيه ، وإذا ما ابتعدنا عن المزايدة ، ولم نذهب مع سيئي الظن الذين يروجون الدعايات المغرضة ضد هؤلاء مرشحينا المحترمين ، ويتهمون عددا منهم بنهب المال العام ، بدليل نمو ثرواتهم بمتواليات هندسية في أزمان قياسية ، مباشرة بعد فوزهم في الانتخابات ، فإنه وبلا شك أو ريبة أن المواطن البسيط والمتسيس ، يسأل نفسه – كلما فكر في الانتخابات – نفس السؤال المحير الذي تتداوله بحدة الغالبة العظمى من المواطنين : لماذا لم تتصدى جحافل المنتخبين ، للمفسدين الذين نهبوا المال العام ، خلال ولاياتهم السابقة ، وبنفس الحماسة والشجاعة التي يقفونها اليوم بعد أن انتهت ولايتهم -وأعادوا ترشيح أنفسهم لنفس المجالس بلا خجل – للتنديد بالفساد وشجب نهب ثروة البلد ، وهم يمنون النفس أن الحمير ستبقى حميرا والسذج سيزدادون سذاجة والمؤمنين يمكن يلدغوا ألف مرة من نفس جحورهم ..
إنها لوقاحة وسفالة ما بعدها وقاحة ولا سفالة ، أن تعود نفس تلك الوجوه الزفرة لإتحافنا ثانية بإسهال من التعهدات وقوائم من الأكاذيب ، والتي لا اشك للحظة ، أنه ليس هناك أحد من المواطنين “العايقين “سيصدقها ثانية ، خاصة أن كل يعلم أنه لاشيء تغير في سلوكيات جوقة الكذابين ، تجعل الناس تصدق هذه المرة أيضا ،أن هوسهم بالمراكز وجنونهم بالمناصب، وصراعاتهم واقتتالهم على السلطة ، هو من أجل مصلحة المصوتين ومصلحة البلد ، وقد أثبتت الوقائع ، بما لا يقبل الشك إن حليمة لا بد أن تعود إلى عوائدها القديمة المستهلكة ، الشيء الذي سيجعلنا في حيرة طويلا أمام من سينتخبون ، ويصيبهم الحزن والأسى عندما يرون هذا العدد الكبير من المرشحين الذين لا خير فيهم..
ولذلك فلنضع أيدينا بأيدي الصالحين فينا من أجل الوقوف ضد الوجوه الكالحة والسحنات الكريهة للعناصر الفاسدة ، التي أعادت ترشيحها مرة أخرى ، دون حياء ، لأنه من المستحيل أن ننتخب قردة ، أقصد أشخاصا يمارسون القفز هنا وهناك ، أشخاصا يوزعون الكذب والغش والخداع ، أينما حلوا وارتحلوا ..