هكذا تؤدب نساء فاس أزواجهن
قد يحدث أحيانا أن تشترط الزوجة الأولى في العقد أن تظل الزوجة الوحيدة الشرعية وألا يتزوج أخرى، لكن هذا قد لا يتم الوفاء به، بسبب أن الطلاق سهل في دولة إسلامية كالمغرب، وشرط كهذا بدل أن يدفع الزوج إلى الامتناع عن الزواج بثانية أو ثالثة، فإنه لا يؤدي إلا إلى إزعاجه وإغضابه.
بالإضافة إلى زوجاته، تجد أن الرجل الغني والثري في فاس يمتلك محظية أو أكثر، وكلما كان عددهن كثيرا كلما كان ذلك يعني أنه يمتلك ثروة كبيرة، إذ أن الثروة ترتبط بعدد المحظيات اللواتي يتوفر عليهن.
فيكون في بيته زوجات، محظيات، بالإضافة إلى الأولاد، يخلقون عالما خاصا به، وعندما يحدث أن ينشب خلاف أو نزاع في هذا العالم، يكون على رب الأسرة العمل على حل الخلافات فيما بينهم، كما يحدث أحيانا من نزعات بين أم الزوج وباقي النساء، وتعد أم الزوج هي صاحبة الحظوة في المنزل، بالإضافة إلى نزاعات النساء فما بينهن، ونزاعات العبيد، وهذه نماذج من النزاعات التي يعرفها البيت، فكيف تحل نزاعات من هذا النوع في عالم كهذا، خاصة نزاعات الغيرة.
ويجب القول إنه في منزل مهم كل النساء لا شغل لهن، وهن متفرغات طوال الوقت، كما أن ربة البيت لا تقوم بشيء، وعلى عكس ما يمكن أن يفهم من ذلك، فإنه يمثل شرفا كبيرا لها، حتى أن والدها عندما يزوجها يشترط على زوجها ذلك، وتجده يخبر زوجها « أنه تزوج من ابنة عائلة، فعليه ألا يجبرها على القيام بأي شيء».
وحتى إن كان لديها أطفال، فهي تحبهم وتلهو معهم، تدللهم، لكنها لا تتكلف بهم، فذلك عمل الزنجية.
أمر آخر يميز هذا العالم وهو السحر، تستعين أي امرأة بالسحر لغايات أبرزها الانتقام من زوج خائن أو لإذكاء شهواته.
ويظهر ذلك على الزوج المسكين، فيصفر لونه، وكلما ذهب إلى المسجد أو المحل ينتبه أصدقاؤه إلى الانتقام النسوي بالسحر الظاهر على سحنته، ورغم أنه يلجأ إلى الزنجيةـ إلا أن حرارة الأخيرة لا تنقذه من الوصفات الكريهة التي تستعملها زوجته في السحر بسبب الغيرة، والسحر هو مزج غريب بين الحب والمطبخ، وهو ما يشرح التعبير المنتشر في فاس، كون الرجل الذي يطيع زوجته بشكل أعمى ومطلق يقال عنه أنه «موكل».
من الأمور الأخرى المنتشرة أنه يمكن أن تضرب الزوجة زوجها، فذلك الفاسي المحترم في الشارع بلباسه الصوفي الأبيض، ومهيب في صلاته، البهي والمتأنق فوق بغلته هو رجل تضربه زوجته، فنساء فاس إن أغاضهن أحد ما، لا يترددن في توجيه الضربات له، وعضه كالحيوانات.
والفاسي سلمي بطبعه، ويتقبل مثل هذه التصرفات بأنس وطيبة، وسرد لي أحدهم حكاية رجل مهم في المدينة ضبطته زوجته أكثر من مرة مع زنجية يافعة، وكل مرة تضربه زوجته، فيضطر الرجل إلى نقل الزنجية إلى منزل آخر، ويزورها هناك، لكن سرعان ما تفقد زنجيته جاذبيتها بالنسبة له، فهو على ما يبدو ما يحقق له المتعة هو ضرب زوجته له عندما تضبطه معها وليس النوم مع الزنجية.
وخلال إقامتي بفاس، بدا الفاسيون التفكير في منع زوجاتهم من الذهاب إلى المقابر يوم الجمعة، والسبب كان رغبة غالبيتهن التفرغ للمواعيد السرية.
لكن الأمر لن يستقيم ولن يتمكنوا من ذلك، إذ كيف يمكن إلغاء عادة متعارف عليها منذ وقت طويل، ولا ينفعهم إلا اللجوء إلى السلطان في آخر الأمر، هذا الأخير وشفقة عليهم يصدر ظهيرا يمنع النساء من الذهاب إلى المقابر، ويعلن ظهير المنع في كل المساجد، وكان الأزواج سعداء بالظهير، وتجنبا لإحساس بالسخف الذي انتابهم بسبب لجوئهم إلى «سيدنا» من أجل مراقبة نسائهم، يبررون ذلك بالقول» ليس بمقدورنا مراقبة نسائنا لوحدنا».
من الأمور الأخرى التي أثارت انتباهي خلال إقامتي في المدينة هي ظاهرة الحب المعلق، وهو الحب الذي تلجأ إليه الفاسيات، الحب الذي يتم عبر تبادل النظرات من الشرفات، ولفعل ذلك يسافر العشاق بحبهم عبر الهواء بين شرفات المنازل لتجاوز الصعوبات والمعيقات التي تقف في طريقه.
عبد الصمد الزعلي