بقلم الاستاذ حميد طولست
هذه المقاربة ستبدو متباعدة إلى حد التعارض بين دول غربية عريقة في الديمقراطية والحضاري ، توفر لمواطنها فرص الشهرة والحياة الهانئة ، ليتمتع بها ويمرح في مروجها الغناء ، خارج كراسي المسؤولية السياسية والإدارية ، التي لا يمنحها أي اعتبارا استثنائيا ، رغم إصراره على المشاركة في الانتخابات التي يعتبرها أساس الديمقراطية وواجبا وطنيا مقدسا ،الذي يجعله بالثابت والمستقر يصل إلى مستوى معيشي مرتفع ورفاهية ملحوظة.. وبين دول عربية -ومن بينها مغربنا الحبيب – تتناسل فيها الأحزاب كالفطر داخل خرائط محدودة الإشعاع والتأثير، يشتد فيها التسابق المحموم ، والتكالب المسعور ، وتفرد الكثير من سياسييها في انتهازيتهم ونفعيتهم وتملقهم من أجل الوصول إلى كراسي السلطة ، التي ضاعت معها كل معاني الوطن والوطنية ، والمبادئ والقيم الدينية والإنسانية ، وأصبحت غاية وهدفا ، يُطلب بالمكر والحيلة والخداع ، ويستغرق جل ، إن لم يكن كل تفكير من نهشت إنسانيتهم أطماع الحكم والتسلط ، الذين يبذلون جميع الجهد والاهتمام للحصول على كراسيها ، التي ينافح الحكام دونها بكل ما يملكون من قوه ، ويضحون من أجلها بمصالح البلاد والعباد .. وحتى أولئك الذين يحصلون عليها ديمقراطيا ، و عن طريق صناديق الاقتراع ، فإنهم لا يستطيعون تقبل الهزيمة بذات الصناديق ، ويرفضون تخلي الناخبين عنهم ، ويخرجون على الناس بتبريرات غير منطقية أو معقولة – وكأنهم يخاطبون شعبا بلا عقل أو فكر- مدعين أن الناخبين (ديالهم) ، وهم جند سخرهم الله لنصرتهم ، ويعتبرون كل تخل عنهم ، جريمة وخروج عن الشريع والدين ، وإتباع لسبيل الشيطان ، يوجب العقاب والمتابعة ، لأنهم -كما يدعون وغيرهم كثير- هم الصالحون الذين يقاتل من أجل نُصرة المستضعفين والدفاع عن المحرومين ، وليس من أجل السلطة وتشبثا بصولجان المجد!!
بينما هم وأمثالهم ، في حقيقة أمرهم ، إنما يمارسون تملقهم الذي لا ينافسهم منافس ، في موهبة أظهار الذل الولاء والتابعية والخنوع والمزايدة على الآخرين ، لزيادة حظوة نفعيتهم ، التي تزيد من أزمات هذا الوطن ، الذي كثُر قتلته ، باسم الوطنية التي أصبحت ستارا يختبئ وراءه المنافقون والفاسدون ، الذين يحللون ويحرمون باسم تلك الوطنية ، ويسرقون وينهبون وينهكون الوطن باسمها ، إلى أن وصل هذا الوطن إلى هذه الحال المزرية والوضع اللا إنساني بفضل وطنيتهم المزيفة ، التي تقف حجر عثرة بين المواطن وبين الحياة السعيدة التي يستحقها وتستحقه .
فهل فعلا يستحق المواطن المغربي هذه النوعية من مسيري شأنه العام ، بكل ما هم عليه من مساوئ ؟..
فبالرغم من أني لا أكن لأي أحد منهم حتى الحد الأدنى من التعاطف أو الكراهية ، رغم مقتي لجل تصرفاتهم العبثية واللامسؤولة تجاه المواطنين ، فأني أجد أن مواطن هذا البلد -بطريقةٍ ما- لا يستحق إلا هذا النوع من المنتخبين ..
ربما يقول قائل ولماذا كل هذا التحامل على المواطن ؟ وتكون إجابتي ، بأني كنت أتمنى أن أجد القدرة على الادعاء أنه يستحق غيرهم من الشرفاء الصالحين الذين يمكنهم أن يوفروا له حياة أفضل ، كتلك التي يوفرها منتخبو الغرب لناخبيهم ، لكن القرائن تجعلني أقر بأنه لا يستحق إلا كل انتهازي مستهتر بمصالحه ، لأنه ( المواطن) يشمئز ، مع كل أسف الدنيا، في قرارة نفسه من أي واقعٍ أفضل ، ويميل بفطرته إلى الواقع الأكثر تخلفا ليتلاءم مع ما ألف من قبيح الممارسات الانتخابات المتخلفة ، وما كونه عنها من أفكار خاطئة وتفاسير مغلوطة ، وعلى رأسها فكرة “ما تبدل صاحبك غير بما عر” والتي يتخذها غالبية الناخبين مشجبا يعلقون عليه ما يسمونه بسوء الحظ ، بل ويبررون به صبرهم الطويل على تلك الأحوال المتدنية طمعاً في ، أو انتظاراً للتعويض ذلك عند الله في الآخرة ، ولن يستحقوا من يضمن لهم الحياة السعيدة لينهل منها، راضيت، هانئين بمردوديتهم المرضية ، إلا إذا فطِنوا لهذه الأخطاء ، وصدقوها تصديق المُجرِب العارف، الواثق في قدرته، وليس تصديق المعتقد في التوزيع العشوائي، السرمدي، لما يسمى “الحظوظ” ، وطهرو نفسوهم من وبائها الأبله الذي تغلغل في جسد الشعب وجعله مباح لكل الجراثيم..