هجوم القمل على الأطفال والتلاميذ بالجزائر

يلاحظ المتتبع للإعلام الجزائري تركيز عدد من وسائل الإعلام   خاصة المواقع الإليكترونية هذه الأيام على موضوع  انتشار القمل في صفوف التلاميذ فقد أوردت جريدة الشروق أن (عددا من الأطباء المختصين في أمراض الجلد، قد دقوا ناقوس الخطر من الانتشار الواسع للقمل، ما بين المتمدرسين، خاصة تلاميذ  الطور الابتدائي، حتى روضات المدن الكبرى، حيث تشير أغلب التصريحات أن الظاهرة التي كانت منتشرة في الماضي البعيد، قبيل وبعد الاستقلال مباشرة، عاودت للظهور مجددا، خلال السنوات الأخيرة، مقابل غياب تام للتكفل بالمتمدرسين من طرف وزارة الصحة، المطالبة اليوم قبل الغد بوضع مخطط استعجالي لحصر بؤر الوباء، عن طريق منح الدواء مجانا للمدارس، وكذا للمعوزين والفقراء.)
المقالات المنشورة تستقصي آراء بعض من الأطباء الذين استقبلوا عددا غير مسبوق  من التلاميذ المصابين  معبرين عن اندهاشهم من حجم وكمية القمل  الذي يهاجم التلاميذ. وقد صرحت إحدى الطبيبات أنها استقبلت مصابة كشفت عنها مؤخرا وفاجأها انتشار القمل في شعرها ، وانتقاله إلى باقي جسمها -تقول الطبيبة-، في مشهد مقزز،( كأن الزمن  عاد  بنا إلى  سنوات الفقر التي مرت بها الجزائر قبيل و بعد الاستقلال مباشرة  لنقص النظافة،  وغياب  التكفل بالمرض آنذاك، ليعود انتشاره مجددا خلال السنوات الأخيرة،  خاصة العام   الماضي   وهذه السنة)  والدليل الزيارات التي يستقبلها الأطباء يوميا من طرف  أولياء يجلبون  أبناءهم المتمدرسين،  قصد طلب المشورة في كيفية التخلص  من هذه الحشرة التي تزعج  أكثر  مما تؤلم.
وتؤكد تصريحات عدد من الأطباء المختصين في أمراض الجلد، أن الانتشار الملفت للقمل،  يتطلب  وضع مخطط وقائي من طرف  وزارة الصحة،  بكل من رياض الأطفال التي أصبحت منبع انتقال القمل ما بين  الأطفال والمتمدرسين، هذا وقد اشتكى عدد من المصابين قلة وغلاء العلاج ، وأن العلاج الموفر في السوق يباع بثمن باهض و غير مدرج ضمن قائمة الأدوية التي يتم  التعويض عنها للمؤمّنين لدى الضمان الاجتماعي مما يحتم على عدد من الأسر الفقيرة التعايش مع الوضع  وعدم البحث عن العلاج.
وفي ذات الاتجاه أكد الناطق الرسمي باسم نقابة الصيادلة،  صلاح الدين مناع  في تصريح لـ”الشروق”قوله  ( أنه لا يمكن قبول انتشار الداء بهذه الصورة بوطننا،  لأن الجزائر ليست بلدا إفريقيا فقيرا شأن الدول المعروف عنها انتشار مثل هذه الأمراض.
 
لكنه نفى   ما يروج عن ندرة الدواء مؤكدا أن (  أن الدواء متوفر وينتج محليا،  وهو يعادل الدواء الأجنبي المستورد، غير أن أطباء الجلد يركزون في وصفتهم الطبية  على أنواع لمضادات طفيلية أجنبية قديمة، لم تعد تستورد اليوم،  على اعتبار  أن الدواء  المحلي متوفر، وهو عبارة عن غاسول سعره لا يتعدى100 دنانير، لكن الصيدلي لا  يستطيع تغيير اسم الدواء بآخر، وهو ما يتطلب من الأطباء ضرورة التعامل بالأدوية  المحلية)  أما عن حالات الندرة في بعض الصيدليات،  فأكد المتحدث  أن المضادات  الطفيلية  أوالغاسول تباع بأثمنة متباينة من صيدلية لأخرى، ومن  بلدية لأخرى،  حسب  طبيعة  كل منطقة، من نائية إلى حضرية.
وقد  خلقت عودة القمل إلى صفوف الأطفال الجزائريين موجة  استنكار وسخرية بين الجزائريين فتفاعلوا مع الحدث في شبكات التواصل الاجتماعي مستغربين من عودة  الكثير من الأمراض التي لم يسمع بها الجزائريون منذ سنوات، على غرار السل والتيفوئيد والقمل والجرب والتهاب السحايا بل وحتى الكوليرا والملاريا. ومعظمها أمراض يطلق عليها العامة أسم أمراض الفقر، لارتباطها المباشر بالحالة الاجتماعية للأسر والأفراد…
وقد اختلف الجزائريون  في أسباب عودة مثل هذه الأمراض إلى المجتمع الجزائري  فأرجعها البعض إلى انتشار الأحياء القصديرية، التي تنعدم فيها أبسط شروط الحياة الصحية من قنوات الصرف الصحي، واختلاط ماء الشرب بالقذارة، وصولا إلى أمراض سوء التغذية… وأرجعها آخرون إلى المهاجرين السريين معتبرين القمل عاد إلى الجزائر باجتياح  الأفارقة لبلدان شمال إفريقيا  وذهب آخرون إلى اعتبار الظاهرة قديمة في الجزائر إذ صرح   رئيس النقابة الوطنية لممارسة الصحة العمومية،  إلياس مرابط،  لـ “الشروق”، أن هذه الأمراض لم تختف  أصلا  من الجزائر حتى نقول إنها  عادت…   فهي موجودة دائما ببعض الولايات وبدرجات متفاوتة،  فيما ذهب آخرون إلى اعتبار الظاهرة عادية وأنها لا تصل إلى مستوى لتشكل حالة وبائية” وذلك ما أكده المسؤول النقابي عند قوله أن “القمل موجود  منذ  القديم  بالجزائر، وقد عانت منه جميع عائلات الجزائر  على اختلاف مستوياتها  المعيشية في مرحلة ما  وأن الظاهرة اليوم مرتبطة بما سماه ( بنظافة المسكن والملبس  والمأكل  والجسم)  التي تتسبب في نقل مختلف الأمراض المعدية…  وهو ما قال به رئيس الجمعية الوطنية لأولياء التلاميذ أحمد خالد  عند تأكيده على انتشار بعض الأمراض المرتبطة بغياب النظافة في المؤسسات التعليمية
مؤكدا أن حوالي 48 ,2 بالمائة من التلاميذ يعانون من التقمّل. محملا المسؤولية في ذلك للأمهات قبل الآباء، داعيا الوزارة الوصية إلى ما سماه (تفعيل دور وحدات الكشف والمتابعة على مستوى المؤسسات التربوية، لكشف الأمراض المعدية قبل انتشارها) ومعاتبا رجال التعليم في هذا العصر مقارنا بين المعلم في القديم والمعلم المعاصر قائلا : “قديما كان المعلمون يخصصون بعض الوقت من حصة التدريس، لمراقبة أظافر وشعر وأذني التلميذ، ويمنحون حتى نقاطا إضافية للتلميذ النظيف، أما الآن فجل همهم إنهاء الحصة الدراسية باكرا”.
 
ذ.الكبير الداديسي