د.حسن مدن
ليس المغرب وحده من فقد فاطمة المرنيسي، المناضلة النسوية والأكاديمية وصاحبة المؤلفات الشهيرة في قضايا المرأة والحداثة والإسلام.
كلنا في العالم العربي نفقد برحيلها واحدة من أبرز وأعمق الوجوه النسائية التي تركت بصمات لن يمحوها الزمن.
نشأت الفقيدة التي عرفت بأبحاثها الفكرية والاجتماعية لخدمة قضايا تحرير المرأة، في عائلة برجوازية في مدينة فاس عُرفت بتعاطفها مع الحركة الوطنية المناوئة للاستعمار الفرنسي. وهيأ لها منبتها العائلي الفرصة لأن تكون واحدة من المغربيات القليلات اللاتي حظين بالتعليم بفضل المدارس الحرة – الخارجة على نمط التعليم الفرنسي والتابعة للحركة الوطنية المغربية، ثم واصلت تعليمها في الرباط وفرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، ما وفرَّ لها تأسيساً علمياً متيناً انعكس عمقاً وثراءً فيما تركته من مؤلفات.
من مؤلفاتها «الحريم السياسي»، و«هل أنتم محصنون ضد الحريم؟»، و«ما وراء الحجاب»، و«الإسلام والديمقراطية»، و«شهرزاد ترحل إلى الغرب»، و«أحلام الحريم»، «نساء على أجنحة الحلم»، ما شكلَّ تراثاً مهماً ومرجعاً أساسياً ونصيراً للحركة النسائية المغربية والعربية، فضلاً عن إثرائه لفكر الحداثة والتقدم الاجتماعي والفكري في المغرب والعالم العربي.
وعلى خلاف الكثير من الناشطات النسويات في العالم العربي، والعالم النامي عامة، لم تعتبر المرنيسي قضية المرأة مواجهة مع الرجل، فمشروعها الفكري والنضالي منحاز للمرأة، ومنافح عن قضاياها، من دون أن تجعل من الرجل عدواً، فنظرت إليه بوصفه، هو الآخر، ضحية الجهل والتنشئة الذكورية، مؤكدة أن قضية تحرير المرأة هي نفسها قضية تحرير المجتمع ذاته.
ولم تنتقد المرنيسي وضعية المرأة في العالم العربي الإسلامي فقط، بل مضت إلى نقد وضعيتها في المجتمع الغربي في كتابها «هل أنتم محصنون ضد الحريم؟» الذي عرت فيه واقع الاستلاب والعبودية المقنعة، التي تسود غرباً، بالنظر للمرأة كقيمة استهلاكية.
عنْونت المرنيسي أحد فصول كتابها القيم: «الخوف من الحداثة» بعبارة شديدة الدلالة هي: «نشيد النساء: نحو الحرية». وفيه تذهب إلى أن النساء متلهفات للغوص في المغامرات والمجهول، ورمز ذلك التلهف تلك الأم الفلسطينية الشجاعة التي نشاهدها يومياً على الشاشات تقف غير مرعوبة تجاه الجنود «الإسرائيليين». وتذهب فيه أيضاً إلى أن النساء العربيات لا يخشين الحداثة لأنها فرصة منتظرة لبناء شيء آخر، «إنهن متلهفات للرسو على تلك الشطآن الجديدة، حيث الحرية ممكنة، فطوال قرون كن ينشدنها وهن سجينات، لكن لم يكن أحد يصغي».