في إطار أنشطته العلمية لهذا الموسم، نظم مركز فاطمة الفهرية للأبحاث و الدراسات (مفاد) بقاعة الخزانة البلدية: لسان الدين ابن الخطيب بفاس يوم السبت 30 صفر 1437ه / 12 دجنبر 2015م حفلا لتوقيع وقراءة في كتاب: “توجيه قراءة نافع وراوييه قالــون وورش في لغة العرب” للدكتور رشيد عموري (باحث بالمركز). و قد تفضل بهذه القراءة الدكتور رشيد السمغولي.
استهل الدكتور السمغولي عرضه ببيان أهمية علم القراءات وعلاقته الوثيقة باللغة العربية، واستناد بعضهما لبعض مع أفضلية لعلم القراءات باعتباره منقولا عن الأمة بالتواتر، فلا تكاد تجد قاعدة نحوية أو صرفية إلا وتجد لها سندا من القرآن الكريم، أو تجد لها سندا في قراءة قرآنية متواترة أو شاذة، ثم تحدث عن أنواع التوجيهات المتعارف عليها في علم القراءات القرآنية، وهي: التوجيه النحوي، والصرفي، والصوتي، والبلاغي. والتوجيه عند أئمة القراءات هو بيان صحة القراءة وقوتها أو ضعفها من جهة اللغة لا من جهة الرواية.
لقد اهتم العلماء بالقرآن الكريم حفظا، وفهما، وتدبرا، وتفسيرا، واستنباطا، واهتموا بالعلوم المرتبطة به، والخادمة له. وعلم القراءات كان من أجل وأشرف العلوم التي تنافس في تحصيلها طلاب العلم، وتفرغ لها كبار العلماء لارتباط هذا العلم بكتاب الله تعالى ارتباطا مباشرا، والعلم يشرُف بالمنتسَب إليه. وصنف علماؤنا الأجلاء في علم القراءات القرآنية، وأصلوا لها، وضبطوها، وبينوا أركان القراءة المقبولة والمردودة، وتحدثوا عن القراء العشرة الذين تُلُقيت قراءاتُهم بالقَبول من الأمة، فتحدثوا عن أسانيدهم، وعن أصول وفرش قراءاتِهم، كما تحدثوا عمن سواهم لكن بنسبة أقل. وتحدثوا عن علم الاختيار، وعلم توجيه القراءات القرآنية الصحيحة منها والشاذة. بينما قلت مصنفاتهم فيما تفرد به كل قارئ من القراء السبعة أو العشرة. واشتُهر الإمام أبو عمرو الداني بكتابه: “التهذيب لما تفرد به كل واحد من القراء السبعة”، جمع فيه ما تفرد به كل قارئ، إضافة الى ما تفرد به الراويان المشهوران من رواته. وبالنسبة للقارئ نافع موضوع الكتاب فقد ذكر رحمه الله بعد تفرد نافع رحمه الله تعالى ما تفرد به الراوي قالون، ثم ورش رحمهما الله تعالى. دون أن يوجه أية قراءة.
وقد تحدث العلماء عن توجيه القراءات القرآنية السبعة، أو العشرة، أو الشاذة بشكل مجمل؛ فيما عز التصنيف في توجيه قراءة قارئ معين من القراء السبعة.
ومن هنا تبرز أهمية ومكانة الكتاب موضوع الدراسة الذي انصب على توجيه ما تفردت به قراءة نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم، وهي قراءة المغاربة ودول الجوار، وغرب إفريقيا؛ ليتعرف القارئ على توجيه مفردات نافع، وورش، وقالون في لغة العرب، وليعرف القارئ وجه القراءة، ووجه التفرد، ويعرف قوته أو ضعفه في لغة العرب، لإعانة المقرئ على ما يحفظه من قراءات بتبيين وجه كل قراءة، فإن القارئ الحافظ لروايات القرآن يجمل به معرفة وجوه القراءات التي يتحملها حتى لا يلتبس عليه ما يحفظه بتقدم سنه، ولتنـزيه القراءات والقراء عن المطاعن، وتنزيه القراء عن الوهم والخطأ، لأنهم حملة قراءات متواترة، تلقاها الآخر عن الأول وصولا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد جاء الكتاب ليجيب عن كثير من التساؤلات المرتبطة بقراءة نافع وراوييه ورش وقالون، وليوجه ما تفرد به كل واحد منهم في لغة العرب معتمدا أسلوباً يروم التبسيط، والتوضيح والتمثيل للقراءات المشكلة بشعر العرب ونثرهم، ومؤصلا للقراءة بما اتفق عليه النحاة وبما أصلوه من قواعد. مستنداً في ذلك إلى أمهات الكتب المعتمدة في علم القراءات وعلم التوجيه، ومعتمداً على أمهات كتب النحو، والصرف، والمعاجم، واللغة.
قسم الكاتب مادة الكتاب إلى ثلاثة مباحث، ومدخل تمهيدي بعنوان: نبذة موجزة عن علم القراءات، وعلم التوجيه وعلم الاختيار، وتعريف بالأعلام الرئيسيين لهذا الكتاب: نافع، قالون، ورش، وصاحب كتاب التهذيب: أبي عمرو الداني.
خصص الكاتب المبحث الأول لما تفرد به نافع بن أبي نعيم، وضم أربعة مطالب، المطلب الأول: التوجيه النحوي، وفيه اثني عشرة قضية نحوية، تحت كل قضية القراءة القرآنية الواحدة أو القراءات التي تفرد بها نافع مع توجيهها. ثم المطلب الثاني: التوجيه الصرفي، وضم أحد عشرة قضية صرفية، نصف تلك القضايا كان في الأفعال، ونصفها في الأسماء. أما المطلب الثالث: التوجيه الصوتي، فقد ضم عشر قضايا صوتية، منها أحكام الهمز من التسهيل، والنقل، والتحقيق، وضم ياءات الإضافة، والياءات الزوائد، والإدغام والحذف. وضم المطلب الرابع: التوجيه البلاغي، سبع قضايا بلاغية، توزعت على قضايا الغيبة والخطاب، والإفراد والجمع، والبناء للفاعل والمفعول، وتفرُّد نافع في حروف المضارعة لبعض الأفعال.
أما المبحث الثاني فورد تحت عنوان: ما تفرد به نافع بن أبي نعيم في رواية قالون، وتم تقسيم مفرداته إلى ست قضايا تندرج في باب التوجيه الصوتي من الجمع بين ساكنين، وبعض أحكام الهمز، والإدغام والحذف.
أما المبحث الثالث والأخير فقد تحدث فيه الكاتب عن تفرد نافع بن أبي نعيم في رواية ورش، وضم مطلبين اثنين: المطلب الأول: التوجيه الصوتي: وضم أحد عشرة نقطة، توزعت على أحكام الهمزة المفردة، والهمزتين المتفقتين في الحركة، والإدغام، والإظهار، والحذف، وترقيق الراء وتغليظها، وتغليظ اللام وترقيقه. والمطلب الثاني: التوجيه الصرفي، وضم حرفا واحداً فقط، وهو: الإسكان والإتباع في الاسم.
يقول صاحب الكتاب عن عمله هذا أنه: “لا يعدو أن يكون تجميعاً لتوجيهات العلماء السابقين لمفردات نافع وراوييه من بطون أمهات الكتب المعتمدة في هذا الباب، مع الشرح والتعليق متى تطلب الأمر ذلك، والحرص على إثبات أجود التوجيهات وأيسرها على الفهم، وبُعدها عن التعقيد اللغوي الذي زهَّد كثيراً من الناس في محاولة فهم توجيهات القراءات القرآنية. كل هذا ليسهل على قارئ القرآن فهم ما تفرد به نافع وراوييه: قالون وورش في لغة العرب، لغة القرآن. فيكون مساهمة مني متواضعة للانتصار لقراءة نافع وراوييه، وللدفاع عنها، وعن لغتها، ولإعانة حامل هذه القراءة على تبيين وجه ما يحفظ”.
وبعدما بسط الدكتور السمغولي أهم مضامين الكتاب، وقدم تقويمه لهذا العمل العلمي، مبرزا أهميته وحاجة أهل التخصص إليه، قامت الدكتورة صوفيا العلوي المدغري التي أشرفت على تسيير هذه الجلسة العلمية بإشراك الحضور الذين تقدموا بمداخلاتهم و ملاحظاتهم و استفساراتهم، ليختم هذا النشاط العلمي بكلمة للدكتور رشيد عموري، صاحب الكتاب، وضح فيها بعض القضايا والإشكالات التي تطرق إليها في مصنفه.