في الوقت الذي كان ينتظر فيه رجال ونساء التعليم بترقب شديد، خاصة المديرون منهم إصدار وزارة التربية الوطنية والتكوين المهني لدفتر مساطر امتحانات البكالوريا يستجيب لانتظاراتهم من أجل توفير الظروف التربوية والمهنية الملائمة لتنظيم وإجراء امتحانات البكالوريا-2016 ، تفتقت عبقرية المسؤولين عن تدبير هذه الاستحقاقات التربوية المهمة والمصيرية عن مطالبة المديرين بتوفير كاميرات للمراقبة داخل فضاءات المؤسسات التي يشرفون على تدبيرها.
فلا حديث هذه الأيام في أوساط المديرين التي ستحتضن مؤسساتهم التعليمية امتحانات البكالوريا سوى على كيفية الحصول على تلك الكاميرات لمراقبة عمليات تمرير مواضيع الامتحانات داخل هذه المراكز، علما أن اتخاذ مثل هذا القرار الذي تم إلزام رؤساء المؤسسات المعنية به، لم يكلف المسؤولون المركزيون والجهويون والإقليميون أنفسهم عناء تسليم نسخة منه لهم، مما خلف ردود أفعال متباينة في صفوفهم، إلى درجة أن منهم من اعتبر بأن ” المدير متهم حتى تثبت براءته” ! خاصة وأن هذه الكاميرات ستراقب فقط عملية استلام وتسليم المواضيع من وإلى المدير/ رئيس مركز الامتحان ! مما يعني بمفهوم المخالفة أن باقي المتدخلين والمعنيين بالامتحان – من غير رئيس المركز- هم مبرأون من أي تهمة وليسوا معنيين بهاته المراقبة الرقمية ! حسب تصريح أحد المديرين.
ومن المفارقات الغريبة في هذا الشأن أن بعض مديري المديريات الإقليمية اكتفوا فقط بزيارة المديرين المعنيين في مكاتبهم وقاموا بمطالبتهم بتوقيع مطبوع يلتزمون فيه بتوفير الكاميرات دون أن يعقدوا معهم اجتماعات رسمية من أجل التداول في هذه النازلة التي لا يتوفر ون على أي وثيقة رسمية بشأنها.
وما أن وجد هؤلاء المديرون أنفسهم أمام الأمر الواقع حتى دخلوا في مسابقة ماراطونية ضد السرعة، وراحوا يبحثون عن عدة مخارج لتدبير هذه النازلة التي لم تكن في الحسبان، والتي أضافت عبءا آخر إلى باقي الأعباء الثقيلة التي يتحملونها يوميا لتدبير الشأن الإداري والتربوي بمؤسساتهم، وكأن المدير هو وحده المعني بتدبير هذا الأمر دون غيره من المسؤولين الآخرين الإقليميين والجهويين والمركزيين.
وفي اتصال لنا بأحد المديرين حول كيفية تدبيره لهذه النازلة صرح بأنه اتصل أولا بجمعية الآباء ثم ببعض الشركاء وبرئيس المجلس الجماعي الذي توجد مؤسسته داخل نفوذ ترابها، لكنه عاد بخفيي حنين. وذكر بأن بعض المؤسسات المحظوظة تمت تغطيتها بهذه الكاميرات من قبل المؤسسات الخصوصية التي تعتبر من روافدها، وقد عقب على هذا القرار بقوله:” إن الوزارة الوصية كان عليها هي التي توفر هذه الكاميرات، إذ من المفروض أن المسؤول الذي فكر واتخذ هذا القرار هو الذي كان ينبغي أن يفكر في توفير وسيلة تنفيذه، لا أن يطالب المدير بالتدبير من باب ” دبر لمحاينك ؟ !” .
كما صرح لنا آخر بأن بعض المسؤولين بإحدى المديريات الإقليمية اتصلوا بالمديرين المعنيين واقترحوا عليهم تحويل بعض الاعتمادات المالية من خانة الخزانة الترفيهية إلى خانة المصاريف العامة من أجل اقتناء الكاميرات. لكنهم لازالوا لم يتوصلوا بأي رد كتابيو يشتكون من بطء مسطرة المصادقة على التحويل، والغريب في الأمر أن بعضهم قد تعاقدوا مع المزودين الذين قاموا بتثبيت تلك الكاميرات داخل فضاءات مؤسساتهم دون أن يتوصلوا بالرد كتابة من المديرية الإقليمية أو من الأكاديمية!. وما خفي كان أعظم !
هذه النازلة تعيد طرح سؤال الحكامة في تدبير منظومة التربية والتكوين إلى مربع النقاش من جديد، إذ في الوقت الذي لازال ينتظر فيه المهتمون والمتتبعون بل وحتى الرأي العام المغربي مصير التحقيق في شأن تسريب موضوع مادة الرياضيات – باك 2015، هاهم المسؤولون يفضلون خيار الهروب إلى الأمام حينما يختزلون فك معضلة الغش في البكالوريا في إجبار التلميذ(ة) وولي أمره(ا) على توقيع التزام مصادق عليه وفي تثبيت كاميرات تراقب تحركات رئيس المركز استلاما وتسليما لمواضيع الامتحان، دون أن يكلفوا أنفسهم عناء التفكير حتى في آليات التفعيل وإمكانيات الأجرأة، وهم الأدرى والأعلم بافتقار المؤسسات التعليمية إلى المعينات الديداكتيكية البسيطة فأحرى توفير كاميرات رقمية مكلفة !
فإلى متى يظل هذا القطاع الحيوي مرتهنا بالسياسات الارتجالية وبالإجراءات الاستعجالية التي تعتمد على إصدار “قرارات آخر الليل”؟ وإلى متى يظل المدير “المدبر لمحاينو” هو “الحائط القصير” المكلف فقط بتدبير المرفق العمومي، لكنه هو المأمور بفعل كل شيء دون تمتيعه بإطار مناسب ولا صلاحيات ولا إمكانيات؟ إلى متى تبقى السياسات التربوية ببلادنا تخضع للأهواء والأمزجة وإصدار التعليمات الشفوية بالهاتف؟ لماذا يسعى المسؤولون دائما إلى تعليق فشل سياساتهم على مشاجب الآخرين؟ ومتى نسمع بأن من أطاح بالباكلوريا قد تم “تعليقه” ومن تسبب في فشل منظومتنا التربوية قد تمت محاسبته؟