على إثر استئناف جولات الحوار الاجتماعي بين الحكومة والمركزيات النقابية، تداولت بعض وسائل الإعلام خبر حضور النقابة الوطنية للتعليم العالي مجريات الحوار الأخير يوم الثلاثاء 19 أبريل 2016، الشئ الذي يضع المتتبع أمام سؤال المسوغات التي اعتمدتها الحكومة لإجازة هذا الحضور مع وضوح المقتضيات التي تعتبر مرجعا على مستوى تحديد طبيعة المنظمات النقابية التي تستدعى لجولات الحوار الاجتماعي وهي المركزيات النقابية الأكثر تمثيلية. وفي هذا السياق فإن حضور النقابة الوطنية للتعليم العالي باعتبارها نقابة قطاعية إلى جنب المركزيات النقابية في الحوار الاجتماعي الأخير يشكل سابقة في تاريخ الممارسة النقابية المغربية يقتضي تفكيك العناصر ويستوجب إضاءة زوايا العتمة في هذا الإشكال، ومساءلة المقتضيات والسياقات التي أطرت هذا الحدث.
ويمكن مقاربة هذا الإشكال من خلال الإدلاء بثلاثة احتمالات:
الاحتمال الأول: عقد صفقة بين النقابة الوطنية للتعليم العالي ورئاسة الحكومة لتمرير بعض القرارات، وهو ما يمكن أن يثير إشكالا أخلاقيا بالنسبة للنقابة الوطنية للتعليم العالي التي باعت المبادئ بثمن زهيد مقابل السماح لها بالحضور، وإشكال ازدواجية المعايير في التعامل الحكومي مع النقابات القطاعية ولاسيما نقابات قطاع التعليم العالي، ويضع سلوك رئاسة الحكومة موضوع مساءلة أخلاقية ودستورية،
الاحتمال الثاني: ضغط سياقات الحوار الاجتماعي على أصحاب القرار في ظل حالة الاحتقان والتوتر التي حكمت العلاقة بين الفاعلين الاجتماعيين والحكومة قبل استئناف عملية الحوار.
الاحتمال الثالث: دخول النقابة الوطنية للتعليم العالي تحت وصاية مركزية نقابية ضمن المركزيات النقابية التي حضرت، مما يثير سؤال استقلال النقابة الوطنية للتعليم العالي في علاقته بالقانون الأساسي لذات النقابة وشعار الاستقلالية الذي ترفعه ويجعل سلوك النقابة الوطنية للتعليم العالي ظاهرة بحاجة إلى دراسة وإعمال نظر من لدن الخبراء والمختصين في القانون.
تفيد بعض المصادر العليمة أن الاجتماع بين الحكومة والمركزيات النقابية قد تأخر عن موعده المحدد له بما يزيد عن ساعة من الزمن بسبب رفض الحكومة حضور النقابة الوطنية للتعليم العالي جلسة الحوار لأنها نقابة قطاعية وليست مركزية نقابية (تتكون المركزية النقابة من عدة نقابات قطاعية تعمل في القطاع العام والخاص)، وقد اهتدت إحدى المركزيات النقابية المدعوة للحوار(الكونفدرالية الديمقراطية للشغل) إلى فكرة أن يحضر الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي باسمها وضمن وفدها وتحت غطائها ووصايتها، وفعلا تم قبول هذا المقترح من قبل رئاسة الحكومة لكون وفد الكونفدرالية الديمقراطية للشغل أصر أنه ليس من حق أي جهة أن تتدخل في تشكيلة الوفد الذي يمثلها، فحضر الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي الاجتماع باعتباره من الأعضاء الذين ينتمون ويمثلون الكونفدرالية الديمقراطية للشغل وليس ممثلا للنقابة الوطنية للتعليم العالي.
هذه التسريبات والمعطيات تؤكد بما لا يدع مجالا للشك فرضية الاحتمال الثالث وتجعل شعار الاستقلالية والمبدئية التي ترفعها النقابة الوطنية للتعليم العالي مجال مساءلة أخلاقية وقانونية وجامعية ويشكك في مصداقيتها وفي التصريحات المغلوطة التي تصدر عنها على شاكلة تصريحاتها بكونها الممثل الوحيد لجميع الأساتذة الباحثين المغاربة.