الأبراج والأسوار التاريخية بفاس تستعيد بهاءها

استعادت الأبراج والأسوار التاريخية بمدينة فاس بهاءها ورونقها بعد عمليات ترميم واسعة استهدفت تأهيلها وإعادة الاعتبار لها كفضاءات حضارية ومواقع ساهمت ولا تزال في تحقيق الإشعاع الثقافي والحضاري للعاصمة العلمية والروحية للمملكة .

وتندرج عملية ترميم وصيانة هذه الأبراج والأسوار المتواجدة بعدة مناطق بمدينة فاس في إطار برنامج ترميم المعالم التاريخية بالمدينة العتيقة لفاس الذي أشرف على إعطاء انطلاقته صاحب الجلالة الملك محمد السادس خلال شهر مارس من سنة 2013 وتكلفت بإنجازه وكالة التنمية ورد الاعتبار لفاس .

وتطلبت عملية ترميم وصيانة ورد الاعتبار لمختلف الأبراج والأسوار التاريخية التي تحيط بالمدينة العتيقة لفاس تعبئة موارد مالية مهمة بالإضافة إلى العديد من المتدخلين والشركاء من بينهم الطبوغرافيين والمؤرخين سواء على الصعيد المحلي أو الوطني وحتى الدولي .

وبلغت الاستثمارات المالية التي رصدت لتمويل عمليات ترميم هذه المواقع والفضاءات التاريخية 20 مليون درهم وهمت الأشغال تدعيم وتقوية البناءات والعمل على صيانة هذه المآثر ورد الاعتبار لها مع تأهيل جنباتها وفضاءاتها الخارجية وإقامة المنشآت الخاصة .

وتوجد بمدينة فاس العديد من الأبراج التي تم تشييدها خلال العصر السعدي منها برج الكواكب ( القرن 14 ) وبرج النفارة ( وبرج دار المؤقت ( القرن 14 ) ثم برج بونافع ( القرن 16 ) وبرج بوطويل .

وتتميز هذه المواقع التاريخية والفضاءات الحضارية التي كانت تستعمل في الأصل من أجل الدفاع عن المدينة وحمايتها من التهديدات الخارجية مع مراقبة طرقها ومسالكها بكبر مساحتها التي تزيد في الغالب عن 2000 متر مربع مع تناغم خطوطها المعمارية والتوازن القائم ما بين البناءات وباقي التشييدات التي تشكل مكونات هذه الأبراج، مما يعكس التحول الكبير الذي تحقق على مستوى العمارة ذات الاستعمالات العسكرية والدفاعية بالمغرب خلال هذه الفترة، خاصة وأن هذه الأبراج استعملت في العديد من الأوقات لتخزين الأسلحة حتى الثقيلة منها وكانت قادرة على تحمل الهجومات الخارجية القصف بالمدافع .

ويشكل برج الكواكب أحد هذه الأبراج التي تم تشييدها خلال العصر المريني وكانت مهمته دعم وتعزيز ومراقبة أطراف المدينة خاصة من جهة الشمال .

ومن ضمن المواقع التاريخية التي خضعت لعمليات ترميم واسعة من اجل تأهيلها ورد الاعتبار لها في إطار هذا البرنامج برج سيدي بونافع الذي تم تشييده من طرف السلطان أحمد المنصور السعدي سنة 990 هجرية الموافق ل 1550 ميلادية والذي جاء بناؤه من أجل تعزيز القدرات الدفاعية لمدينة فاس وحمايتها من الأخطار الخارجية التي كانت تتهددها آنذاك .

أما برج النفارة ودار المؤقت فيعود تاريخ تشييدهما لعهد السلطان أبو عنان المريني وكانا يشكلان فضاءات للمهتمين والباحثين في ميدان الفلك ومراقبة الأبراج في السماء لضبط التوقيت والحساب .

وبالنسبة للأسوار التاريخية التي تحيط بالمدينة العتيقة والتي خضعت مقاطع منها لعمليات ترميم وصيانة واسعة فتهم بالأساس موقع جنان الدرادر الذي لا يزال يحتفظ بآثار الموحدين حيث يقع عند جانب هذا الموقع باب سيدي بوجيدة الذي أعيد بناؤه في عهد السلاطين العلويين .

أما الفضاء التاريخي باب الماكينة فيظل من بين المواقع التاريخية القديمة وهو أحد مكونات منطقة المشور الذي تم تشييد منطقته الشرقية في القرن 17 بينما بنيت المنطقة الغربية في حدود القرن 19 .

و حسب المؤرخ موسى العوني، فإن ترميم هذه المعالم التاريخية والمآثر الحضارية والمعمارية يؤكد على الإرادة الموصولة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس من أجل المحافظة على الطابع التاريخي والحضاري للعاصمة العلمية والروحية للمملكة المصنفة منذ سنة 1981 من طرف منظمة ( اليونسكو ) ضمن التراث العالمي الإنساني .

وأضاف العوني أن عمليات ترميم ورد الاعتبار للمدينة العتيقة لفاس تطلبت تعبئة شاملة وانخراطا من طرف جميع المتدخلين والمعنيين والمهتمين سواء داخل المغرب أو في الخارج لتصبح خلال هذه السنوات الأخيرة مسرحا لعمليات وأوراش متعددة وكذا مختبرا لإنجاز الدراسات والمقاربات والاستراتيجيات التي يجب اعتمادها للتعامل مع النسيج المعماري العتيق .

وقال إن مدينة فاس كانت ولا تزال موضوع اهتمام وانشغال العديد من الهيئات والمؤسسات المهتمة بعمليات رد الاعتبار وتأهيل المعالم التاريخية وترميمها سواء داخل المغرب أو في الخارج، مشيرا إلى أن تجربة إنقاذ المدينة العتيقة لفاس تظل غنية باعتبارها شكلت سابقة في مجال التعاطي مع النسيج العمراني العتيق وترميمه وإعادة تأهيله وحققت نتائج جد إيجابية في هذا المجال .