شكل مشروع طريق الوحدة ، الذي وجه جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه يوم 15 يونيو 1957 نداء ساميا إلى الشباب المغربي لاستنهاض هممه من أجل التطوع في إنجازه، مدرسة حقيقية في تكريس قيم الوطنية الصادقة وورشا كبيرا لإشاعة ثقافة التعاون والتضامن .
وجاء هذا الورش، الذي يحتفل الشعب المغربي ومعه أسرة المقاومة وأعضاء جيش التحرير يومه الثلاثاء بمدينة تاونات بالذكرى 59 لإعطاء انطلاقة أشغال بنائه ، كحدث مهم غداة حصول المغرب على استقلاله ، وشكل مظهرا من مظاهر العمل التطوعي الذي انخرط فيه المغاربة إبان هذه الفترة من أجل دعم وتعزيز الوحدة الوطنية وتحقيق التنمية المستدامة .
ومكن هذا المشروع الرائد في حينه إلى جانب الربط بين منطقتي الشمال والجنوب من تجميع الشباب المتطوع من مختلف جهات المغرب وتكتلهم وحيويتهم وحماسهم وهو الأمر الذي اكتسى أهمية كبيرة على الصعيد الوطني لأنه جسد رمزا للوحدة بين جميع المغاربة تحت قيادة العرش العلوي المجيد ، كما شكل أروع مثال للتضامن والتآزر والتكامل .
وكان جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه قد أكد في النداء التوجيهي الذي أطلقه من مدينة مراكش ” أن من بين المشاريع التي عزمنا على إنجازها لتدعيم التوحيد الحاصل بين منطقتي الوطن شماله وجنوبه إنشاء طريق بين تاونات وكتامة تخترق ما كان من قبل حدا فاصلا بين جزأي الوطن الموحد وذلك ما حذا بنا إلى أن نطلق عليه اسم طريق الوحدة ” .
لقد كان المغرب يتوفر غداة الاستقلال على شبكة طرقية لا يتعدى طولها حوالي 20 ألف كلم ، كما أن توزيعها الجغرافي عبر التراب الوطني لم يكن شاملا لكل المناطق مما حذا بجلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه إلى أن يبادر إلى نهج سياسة جديدة في ميدان التجهيزات الطرقية من أجل تغيير البنيات الوظيفية التقليدية للطرق التي كانت ترتكز على خدمة مصالح المستعمر سابقا وإعطاء الأولوية لبناء طرق بالأقاليم الشمالية والجنوبية لتصل إلى مستوى التجهيزات الموجودة بوسط وغرب البلاد .
وجاء في مقدمة المشاريع التي تمت برمجتها وفق هذه الرؤية الاستشرافية لجلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه إنشاء طريق بشمال المملكة تربط بين تاونات ومركز كتامة على طول 80 كلم أطلق عليها اسم ” طريق الوحدة ” التي كانت لها دلالات رمزية كبرى لأن هذا المشروع ساهم إضافة إلى ربطه بين منطقتي الشمال والجنوب في إذكاء حيوية وحماس الشباب المغربي الذي جاء من مختلف مناطق المغرب من أجل المشاركة والتطوع في هذا الورش الكبير الذي شكل تجسيدا ورمزا للوحدة والتآزر والتضامن .
وقد تجند لتنفيذ هذا المشروع 12 ألف شاب متطوع كان في مقدمتهم ولي العهد آنذاك جلالة المغفور له الحسن الثاني طيب الله ثراه الذي شارك في هذا المشروع إلى جانب الشباب المغاربة خدمة للمصالح العليا للشعب وتحفيزا للشباب المتطلع إلى بناء مغرب موحد ومستقل على الانخراط في هذا المجهود .
واستمر عمل المتطوعين الشباب المغاربة في إنجاز هذا المشروع مدة شهور الصيف الثلاثة بمعدل أربعة آلاف شاب في كل شهر ينتمون لكل أنحاء ومناطق المغرب .كما أن إشعاع هذا المشروع لم ينحصر في تحقيق إنجاز وحدوي ذي أبعاد اجتماعية واقتصادية فحسب بل امتد لبناء الإنسان والارتقاء بالوجدان وإذكاء قيم التضامن والتعاون والتكامل وتفجير الطاقات من أجل توطيد دعائم المغرب الجديد .
ومثلت أوراش العمل بهذا المشروع مدارس للتكوين تلقى فيها المتطوعون دروسا تربوية وتداريب مدنية وعسكرية جعلت منهم مواطنين صالحين لتحقيق مشاريع عمرانية في مراكز سكناهم تنفيذا لفكرة التجنيد العام لبناء استقلال المغرب .
إن الاحتفال بذكرى بناء طريق الوحدة، التي شكلت حدثا وطنيا كبيرا ، هو في العمق احتفاء بصور العمل التطوعي في أبهى تجلياته وكذا بأسمى مواقف التضامن التي عبر عنها المغاربة بعد العودة المظفرة لبطل التحرير والاستقلال جلالة المغفور له محمد الخامس طيب الله ثراه وإعلانه الانخراط في معركة الجهاد الأكبر لبناء المغرب المستقل .
كما أن استحضار الأبعاد التاريخية والدلالات الرمزية لهذا الحدث من خلال الاحتفال بهذه الذكرى المجيدة يستهدف بالأساس ترسيخ قيم المواطنة والتضامن والتآزر والتكامل في نفوس وأذهان الأجيال الجديدة وذلك من اجل تشجيعها وتحفيزها على الانخراط في مواصلة مسيرة البناء والتنمية التي انخرط فيها المغرب تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس .