كانت الجزائر خلال سنوات التسعينيات تعيش على إيقاع الاغتيالات التي تستهدف وجوه السياسة والثقافة. وعندما أفرغت رصاصة غدر في رأس محمد بوضياف، رئيس المجلس الأعلى للدولة بالجزائر، كان الشاب حسني يغني للحب ولوعة الفراق، ويسجل أغنيته الجديدة “نبغيك ماني هاني”.
لم يكن ابن حي “قمبيطة” الشعبي، بمدينة وهران، يعلم أن الرصاص الذي كان يلعلع في بلد “المليون شهيد” سيتجاوز رؤوس الساسة ومثقفي الصف الأول، الأكثر إزعاجا، ليخترق حنجرته التي بكى لعذوبتها آلاف المراهقين والشباب في المنطقة المغاربية.
حلت الذكرى الثانية و العشرون لاغتيال حسني شقرون، المزداد يوم 1 فبراير من سنة 1968، من والد يمتهن الحدادة وأم كان بيتها وأبناءها هما همها الأول والأخير.
يوم 29 شتنبر 1994 كان الشاب حسني، ذو السادس والعشرين ربيعا، يترجل من سيارة، نوع “بوجو 405″، قرب بيته حيث اقتنى كرسيا متحركا لأحد الجيران الذي كان يعاني من إعاقة جسدية.
أشار إليه ثلاث رجال بالتحية فتوجه نجم الراي الصاعد، بطيبوبته المعهودة، نحو من حيوه ظانا أنهم من المعجبين الذين يتقاطرون على الحي بالعشرات، من أجل أخد صورة أو الحصول على توقيع.
صافحه الأول، ثم عانقه الثاني مفرغا رصاصتين في رقبة ثم رأس المغني، قبل أن يلوذ الجميع بالفرار على متن سيارة تبين فيما بعد أنها مسروقة.
خرجت امرأة عجوز من بيتها بعد سماع طلق الرصاصتين، فوجدت حسني ميتا وقد عض بفكيه على سلسلته الذهبية، كما حكت لقناة “فرانس 24″، فغطت القتيل بجلباب ابنتها، فكان الجلباب أشبه بستار يسدل على واحدة من أشهر جرائم الاغتيال في تاريخ الجزائر الحديث.
حياة الشاب حسني القصيرة جدا كانت غنية، حيث أنتج أزيد من 300 أغنية، حفظت عن ظهر قلب وعلى نطاق واسع.
وكانت السهرة الغنائية التي أحياها سنة 1993 بملعب 5 يوليو بالعاصمة الجزائر، بمناسبة أحد الأعياد الوطنية، علامة على بزوغ نجم جديد في سماء “الراي” حيث حج أكثر من 70 ألف متفرج لمشاهدة صاحب “طال غيابك يا غزالي” من غروب الشمس إلى شروقها.
ولا أحد غادر الملعب، تلك الليلة، بسبب حظر التجوال الذي كان مفروضا من طرف الجيش الجزائري.
غنى حسني قيد حياته “مازال كاين ليسبوار” (مازال هناك أمل)، غير أن الأمل في معرفة من اغتاله يتضاءل بعدما غابت تصفية إرث الاغتيالات عن أجندة من يدير دفة الحكم داخل قصر المرادية، بعد إثني و عشرين سنة على تاريخ الجريمة اللغز.