كشف التقرير الخاص بشبكات الإعلام الاجتماعي في المنطقة العربية، الذي أصدرته كلية محمد بن راشد للإدارة الإلكترونية مؤخرا، أن المغاربة باتوا يستخدمون اللغة العربية على فيسبوك أكثر من نظيرتها الفرنسية.
وكان الملفت في التقرير أن اللغة العربية أزاحت نظيرتها الفرنسية عن عرش فيسبوك لأول مرة منذ ظهور هذا الفضاء الافتراضي، إذ إن استعمال المغاربة لغة الضاد في الكتابة والتعليق والتفاعل عبر فيسبوك ارتفع من 32 إلى 69%، مقابل تراجع عدد مستعملي اللغة الفرنسية في تدويناتهم.
وتعني هذه النتائج لعدد من الباحثين أن العربية هي اللغة المتوقع أن تكون أكثر استخداما بشكل رسمي من قبل المغاربة في السنوات المقبلة.
ويترجم هذا الارتفاع في رأي فؤاد بوعلي رئيس الائتلاف الوطني من أجل اللغة العربية (مجموعة جمعيات ومنظمات غير حكومية تُعنى باللغة العربية) أن “الحروب التي تشن يوميا على اللغة العربية تحت عناوين متعددة لم تستطع أن تزحزح العربية عن عرشها كلغة الهوية والانتماء الحضاري للإنسان المغربي”.
ويؤكد بوعلي أن لغة الضاد ظلت على الدوام عنوان الوجدان الوطني ومظهر التمايز عن الثقافة الغربية، وباستعمالها يتمكن المغربي من التعبير عن مكنوناته حتى الحميمية منها، وفق وصفه.
سيادة لغة الضاد
ويقول فؤاد بوعلي إن “المتحدث المغربي، سواء كان افتراضيا أو واقعيا، يفضل -إن مُنح الاختيار- استعمال اللغة العربية في تواصله”؛ لأن العربية هي وجوده وشخصيته، بها يحلم ويفكر ويغضب، وإن كان يستعمل قسرا اللغة الأجنبية في التعليم والمعرفة، وفق تعبيره.
من جهته، يعتقد مدير معهد الدراسات والأبحاث للتعريب محمد الفران بأن “اللغة العربية هي الطاغية في المدرسة المغربية، مما ساعدها على التمكن في شبكات الاتصال والإعلام أكثر فأكثر”.
ويقول معدو تقرير حصيلة المنشورات المغربية لعام 2016 إن تزايد أعداد طلبة الجامعات في التخصصات الأدبية والاجتماعية والإنسانية التي خضع تدريسها للتعريب أواسط السبعينيات من القرن الماضي، أثر في لغة الكتب الصادرة، إذ تزايد حضور اللغة العربية بقطاع النشر، وبلغ 82.55%، بينما تراجعت اللغة الفرنسية، ولم تعد تغطي سوى 14.5% من المنشورات.
ويرى الفران مدير المعهد -الذي يعمل على جعل اللغة العربية أداة للعمل والبحث، لا سيما في ميدان العلوم والتقنيات- أن تراتبية الاستخدام اللغوي في المغرب يرجع أساسا إلى الوضع اللغوي في المنظومة التعليمية التي سجلت بدورها -من خلال تقارير مختلفة- تراجعا في الإقبال على تعلم اللغات الأجنبية.
ويؤكد الفران أن الأمر لا يتعلق بانتصار لغة على أخرى بقدر ما هو ضعف في التمكن اللغوي، بحسب وصفه.
وينبه محمد الفران إلى أن تزايد حضور العربية في فيسبوك “يدفع للتساؤل: هل هذه العربية هي التي نعمل جاهدين على تطويرها وتنميتها لتواكب عصرنا الحديث؟”.
ويعود فؤاد بوعلي ليؤكد أن وسائل التواصل الاجتماعي تمثل انعكاسا للتواصل في الشارع العام، وأن اللغة التي تنتصر فيها وتسود هي المستعملة في هذا الشارع وفي البيت والمدرسة، لذلك “فالعربية سيزداد استعمالها وتداولها وانتصارها بعد الانتشار الكبير للوسائل التقنية ودمقرطة الولوج إلى الإنترنت”.
تدابير تشريعية
أما الباحث الأكاديمي وعضو المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي (مؤسسة استشارية رسمية) عبد الناصر الناجي فيرى أن الرجوع إلى التشبث بمقومات الهوية من قبل شرائح مهمة من المجتمع دفع الشباب خاصة إلى اعتماد العربية لغة أساسية للتفاعل على مواقع التواصل الاجتماعي.
ويتحدث الناجي عن وجود إرادة سياسية بالمغرب لإعطاء اللغات الوطنية (العربية والأمازيغية) المكانة اللائقة بهما في الدولة والمجتمع. ويقول “إن تدابير تشريعية مرتقبة ستكون داعمة لاستعمال اللغة العربية في مجالات متعددة ستسهم في تعزيز حضورها في الإدارة المغربية”. وترتبط هذه التدابير أساسا في رأي عبد الناصر الناجي بعمل بعض الهيئات المهتمة بهذا الشأن كالمجلس الوطني للغات والثقافة المغربية (مؤسسة رسمية تضم كل المؤسسات المعنية بهذه المجالات) وأكاديمية محمد السادس للغة العربية.