التعريف بالإمام الونشريسي الهارب من سلطان الجزائر الى رحاب فاس المغربية

الونشريسي
(أحمد بن يحيى التلمساني
ـ)

(834
ـ 914 هـ/1430ـ 1508م)

الإمام الفقيه أبو العباس أحمد بن يحيى بن محمد بن عبد الواحد، التلمساني الونشريسي، المالكي نزيل فاس في المغرب. ينسب إلى «ونشريس»
وهي بليدة في الجزائر ما بين باجة وقسنطينة، ينسب إليها عدد من الفضلاء.

ولد في تلمسان ونشأ فيها. وأول ما أخذ العلم عن رجالها. إلى أن وقعت بينه وبين بني زيان جفوة فنقم عليه السلطان، فانتُهبت داره
وفرّ إلى فاس في المغرب سنة 874هـ فاستوطنها، وأكبَّ فيها على تدريس الفقه وغيره من العلوم.

من أولاده عبد الواحد بن أحمد بن يحيى، أبو محمد لمعروف بابن الونشريسي أحد الأعلام الذين جمعوا بين الفتيا والقضاء والتدريس
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، توفي شهيداً سنة 955هـ لامتناعه عن نقض بيعة السلطان أحمد المريني.

أخذ الإمام الونشريسي العلم عن القاسم العقباني، وولده أبي سالم العقباني، وأبي عبد اللّه الجلاّب، والغرابلي والمري، وهؤلاء من
شيوخ تلمسان، كما أخذ عن ابن غازي والكفيف ابن مرزوق، وغيرهم. وأجازه الديمي تلميذ
الحافظ ابن حجر. وقد بلغ من العلم مبلغاً عظيماً، وانتهت إليه رياسة المذهب
المالكي حتى أقبل إليه طلبة العلم، فتتلمذ عليه: محمد ابن عبد الجبار الوتدغيري،
وعبد السميع المصمودي، وأبو زكريا السوسي، وولده عبد الواحد، وأبو عباد بن مليح الملطي،
وابن هارون المطغري.

كان الونشريسي غزير العلم يحفظ مذهب الإمام مالك
حتى قال عنه شيخه ابن غازي: «لو أن رجلاً حلف بالطلاق أنه ـ أي الونشريسي ـ أحاط
بمذهب مالك أصوله وفروعه لم تطلق عليه زوجته لكثرة حفظه وتبحره».

وكان مع ذلك فصيح اللسان حتى كان بعض من يحضر
درسه يقول لو حضر سيبويه مجلسه لأخذ النحو من فيه.

كان الونشريسي غزير الإنتاج العلمي، ومن تصانيفه
المطبوعة «المعيار المعرب عن فتاوى علماء إفريقية والأندلس وبلاد المغرب» وهو كتاب
عظيم، قيل إنه استمده من كتاب «الدرر المكنونة في نوازل مازونة» لأبي زكريا يحيى
بن موسى المغيلي المازوني المتوفى سنة 833هـ، وهو في اثني عشر جزءاً، و«التالي على
وثائق الفشتالي» والفشتالي (ت777هـ) كان قاضي فاس من العلماء بفقه المالكية والأدب
وكتاب «النوازل» وهو موسوعة كبيرة للفتاوى تشمل النوازل التي كانت تجري في الأندلس
وإفريقية والمغرب واسمه «المعيار المعرب والنوازل في الأندلس وإفريقية والمغرب»
و«الولايات في مناصب الحكومة الإسلامية والخطط الشرعية» مع ترجمة فرنسية، و«المنهج
الفائق والمنهل الرائق في أحكام الوثائق» و«إضاءة الحلك في الرد على من أفتى
بتضمين الراعي المشترك» وهي رسالة صغيرة.

وله أيضاً «غنية المعاصر» و«عدة البروق في جمع
ما في المذهب من المجموع والفروق» و«إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك».

على إثر المحنة التي تعرض لها بتلمسان وانتهاب داره من جهة السلطان، خرج أبو العباس هاربا إلى فاس، وكان ذلك في أول المحرم من سنة 874هـ/11 جويلية 1469 م. ولما وصل فاس لقي من أهلها كل ترحيب و تبجيل واحتفى به علمائها وفقهائها ، وأقبل عليه العلماء وطلبة العلم ينهلون من دروسه و فقهه ما جعله ينسى غربته، فاستوطنها هو و أهله، وأقام بها منكبا على تدريس المدونة ومختصر ابن الحاجب وكان متمكنا من الفقه المالكي مشتغلا به تعليما وتأليفا وفتياً كما أنه اشتهر بالنحو وفصاحة اللسان والكتابة حيث قيل عنه لو حضر سبويه لأخذ النحو من فيه . ويذكر الحفناوي أنه استفاد من نوازل البرزلي والمازوني فيما يتعلق بفتاوى أفريقية (تونس) وفتاوى فقهاء تلمسان كما يبدو ذلك لمن قارن كتابه هذا بهذه الكتب.وكان يحضر مجالس قاضي الجماعة محمد اليفرني المكناسي. حيث لم يمنعه كبر سنه من طلب العلم و الجلوس للأخذ و التلقى عن العلماء.

مراجع للاستزادة:

ـ عبد الحي بن عبد الكبير الكتاني، فهرس الفهارس
والأثبات ومعجم المعاجم والمشيخات والمسلسلات، تحقيق إحسان عباس (دار المغرب
الإسلامي، بيروت 1982م).

ـ إسماعيل باشا الباباني، إيضاح المكنون (دار
إحياء التراث العربي، بيروت، د.ت).
العنوان – عربي مجرد:
ونشريسي (احمد يحيي تلمساني)
العنوان انكليزي:
Al-Wansharissi (Ahmad ibn Yahya al-Talmassani-)
العنوان – انكليزي مجرد:
AL-WANSHARISSI (AHMAD IBN YAHYA AL-TALMASSANI-)
العنوان – فرنسي:
Al-Wancharissi (Ahmad ibn Yahya al-Talmassani-)
العنوان – فرنسي مجرد:
AL-WANCHARISSI (AHMAD IBN YAHYA AL-TALMASSANI-)

هو العلامة المشارك، الفقيه المحصِّل، المصنِّف الأبرع، حامل لواء المذهب المالكي في عصره، أبو العباس أحمد بن يحيى بن محمد بن عبد الواحد بن علي الونشريسي، التلمساني المنشأ والأصل، الفاسي المنزل والمدفن.

أخذ عن خيرة علماء بلده تلمسان، منهم الإمام أبو الفضل قاسم بن سعيد العُقباني (ت854هـ)، وولده القاضي أبو سالم إبراهيم بن قاسم (ت880هـ)، وحفيده الإمام الرحالة محمد بن أحمد بن قاسم (ت871هـ)، والإمام شيخ المفسرين والنحاة أبو عبد الله محمد بن العباس الشهير بابن العباس(ت871هـ)، والحافظ المحصِّل أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عيسى بن الجلاب(ت875هـ)، والعالم المشارك، المؤلف النّظّام أبو العباس أحمد بن زكري (ت899هـ)، والعالم الخطيب الصالح أبو عبد الله محمد بن محمد ابن مرزوق الكفيف (ت910هـ)؛ أخذ عنه مرويات سلفه الإمام الجد والوالد والحفيد، وغيرهم.

وعلى إثر المحنة التي تعرض لها ببلده تلمسان بانتهاب داره من جهة السلطان، فَرَّ أبو العباس هاربا إلى فاس، وكان ذلك في أول المحرم من سنة (874هـ)- وكان حينها ناهز الأربعين من عمره- فاستوطنها، وعلى جلالة قدره كان يحضر مجالس قاضي الجماعة بها أبي عبد الله محمد بن عبد الله اليفرني المكناسي (ت917هـ).

واستطاع أبو العباس الونشريسي أن يجد لنفسه بمنزله فاس مكانا ضمن كبار العلماء الذين ذاع صيتهم، وكان زمام العلم بأيديهم، كالشيخ أبي عبد الله القوري (ت872هـ)، والشيخ أبي العباس أحمد بن محمد البرنسي الشهير بزروق (ت899هـ)، والشيخ أبي عبدالله محمد بن غازي المكناسي (ت919هـ)، وغيرهم كثير، فكان له مجلس يعكف فيه على تدريس المدونة، ومختصر ابن الحاجب الفرعي، وغير ذلك من العلوم التي كان متمكنا من ناصيتها، فتخرَّج عليه خَلْقٌ من العلماء ممن كانت إليهم أمور التدريس والقضاء والفتيا من بعده، منهم الفقيه النوازلي أبو عياد بن فليح اللمطي(ت936هـ)، تفقه عليه، ولازمه في مختصر ابن الحاجب ، والفقيه الصالح، شيخ الفقهاء بسوس أبو محمد الحسن بن عثمان الجزولي (ت932هـ)، لازمه إلى سنة (908هـ) وقت رحيله، والفقيه أبو محمد عبد السميع المصمودي، لازمه أيضا في مختصر ابن الحاجب، والقاضي أبو عبدالله محمد بن القاضي الناظر أبي عبد الله محمد الغَرْدِيسي التَغْلِبي (ت897هـ)، وبخزانته انتفع في تصنيف كتاب المعيار، فهي معتمده في فتاوى فاس والأندلس، ومنهم عالم فاس وفقيهها وحامل لواء المذهب بها أبو الحسن علي بن هارون المظغري (ت951هـ)، ومحمد بن عبدالجبار الوَرْتَدْغِيري، وولده قاضي قضاة فاس عبدالواحد بن أحمد بن يحيى الونشريسي (ت955هـ)، وغير هؤلاء.

ومما يدل على مكانة الونشريسي بين علماء عصره، شهادة كبار العلماء له بالفضل، والعلم، والريادة، فهذا معاصره ابن غازي يقول وقد مرَّ به المترجم يوما بجامع القرويين: «لو أن رجلا حلف بالطلاق أن أبا العباس الونشريسي أحاط بمذهب مالك: أصوله، وفروعه، لكان بارّاً في يمينه، ولا تطلق عليه زوجته؛ لتبحره، وكثرة اطلاعه، وحفظه، وإتقانه، وكل من يطالع تواليفه يقضي بذلك».

كما نوّه به في رسالة أجابه فيها عن مسائل علمية، والتي جعل عنونها: الإشارات الحسان إلى حَبر فاس وتلمسان. وحلّاه ابن عسكر في دوحته بقوله: الشيخ الإمام، العالم العلامة، المصنف الأبرع، الفقيه الأكمل الأرفع، البحر الزاخر، والكوكب الباهر، حجة المغاربة على أهل الأقاليم، وفخرهم الذي لا يجحده جاهل ولا عالم… كان – رحمه الله – من كبار العلماء الراسخين، والأئمة المحققين.

وقال أحمد المنجور في فهرسته: وكان مشاركا في فنون العلم إلا أنه لما لازم تدريس الفقه يقول من لا يعرفه: إنه لا يعرف غيره، وكان فصيح اللسان والقلم حتى كان بعض من يحضره يقول: لو حضر سيبويه لأخذ النحو من فِيهِ.

إلى غير هذا من عبارات الثناء والإطراء التي قالها العلماء في حقه. وقد أثرى المترجم الساحة العلمية المالكية بتآليفه الرفيعة البديعة، وتصانيفه الجامعة النافعة، منها: كتاب المعيار الـمُعْرب عن فتاوى أهل أفريقية والأندلس والـمغرب، وهو من أعظم الكتب التي كادت تحيط بمذهب مالك، والكتاب مطبوع متداول، ومنها: كتاب المنهج الفائق والمنهل الرائق بأدب الموثق وأحكام الوثائق، وكتاب غنية المعاصر والتالي في شرح فقه وثائق أبي عبد الله الفشتالي، وعدة البروق في تلخيص ما في المذهب من الجموع والفروق، وكلها مطبوعة على الحجر بفاس، ومنها: مختصر أحكام البرزلي، وكتاب إيضاح السالك إلى قواعد الإمام مالك، وكتاب وفياته الذي وضعه ذيلاً على كتاب شرف الطالب في أسنى المطالب لابن قنفد القسنطيني، وكلها مطبوعة، وتعليق على مختصر ابن الحاجب الفرعي، في ثلاثة أسفار، له نسخة بالخزانة الملكية بالرباط، وغيرها من المؤلفات الغزيرة، سواء تلك التي ضمنها كتابه المعيار، أو التي أفردها بالتأليف، وله فهرسة ضمنها أسماء شيوخه ومروياته، رُويت عنه. وبعد هذه الحياة المليئة بالعلم أخذا وعطاءً، وتدريسا وتأليفا، لبى أبو العباس الونشريسي نداء ربه عز وجل، فوافاه الأجل يوم الثلاثاء عشرين من صفر سنة (914هـ).

وقد رثاه الفقيه أبو عبد الله محمد ابن الحداد الوادي آشي بقطع من الشعر منها قوله: لقد أظلمت فاس بل الغرب كله بموت الفقيه الونشريسي أحـمد رئيس ذوي الفتوى بغير منازع و عارف أحكام النوازل الأوحد له دُربة فيها ورأي مسدد بإرشاده ا لأعلام في ذاك تهتدي و تالله ما في غربنا اليوم مثله و لا مـن يدانيه بطول تــردد عليه من الرحمن أفضل رحمة تـروح على مثـواه وتغتـدي

مصادر ترجمته:

دوحة الناشر لابن عسكر (48)، وجذوة الاقتباس لابن قاضي المكناسي(156-157)، ودرة الحجال له (1/91-92) )، ونيل الابتهاج لأحمد بابا التنبكتي (135-136)، ونفح الطيب للمقري (5/204)، وطبقات الحضيكي (1/23-24)، سلوة الأنفاس (2/171-173)، والأعلام للزركلي (1/269-270)، وشجرة النور الزكية لمخلوف (274-275)، فهرس الفهارس والأثبات لعبد الحي الكتاني (2/1122-1123).

إنجاز: د.مصطفى عكلي.