لعل تعيين محمد حصاد وزيرا للتربية الوطنية والتكوين المهني والتعليم العالي والبحث العلمي يقصد أمرا واضحا، التعليم أصبح مهمة القصر! ليس فقط باعتباره قطاعا استراتيجيا يشغل 300 ألف موظف(ة) ويعني سبعة ملايين تلميذ(ة) وعدد آخر من الطلبة في مختلف الجامعات، وبالتالي قد تكون هناك تخوفات من طرف بعض الشركاء السياسيين على تسليم هذه “السلة” على طبق من ذهب لطرف دون آخر.. وبالتالي استغلالها لزرع “توجهات” معينة بالنسبة للحزب الأول الذي أعلن أمينه العام الصيف الماضي أن مرجعيتهم “ابن تيمية”! أو جَعْلِ هذه الوزارة امتدادا حزبيا يستقطب الأنصار والناخبين.. ولكن كذلك باعتباره قطاعا استراتيجيا يحتاج للإنعاش والعناية الفائقة..
ولكن من وجهة نظر سياسية محظة، فعلى الحكومة المنتخبة أن تتحمل مسؤوليتها على جميع الوزارات، وبالتالي فيحق للناخبين أن تكون لهم الكلمة الأخيرة في تشكيل الحكومة، وهو الأمر غير المتوفر في الواقعة التي نتحدث عنها..
من جانب آخر لعل الوزير المعين يمكن أن يصلح في جانب وهناك جانب آخر لن يفلح فيه حسب وجهة نظري..
باعتباره متمرسا بشعاب الإدارة، فقد يكون الشخص المناسب لضبط النفقات المالية للوزارة، وضبط الصفقات ومتابعة تنفيذها، وتجنب خسارات كبيرة كما كان يقع وما زال يقع في هذا الشأن.
قد يكون الشخص المناسب للدفاع عن ميزانية التجهيز ومنحها ما تستحقه، حتى يقع تجديد الكثير من البنايات التعليمية المهترئة وخاصة في العالم القروي، وإضافة ما يكفي من بنية لازمة للتربية والتعليم.
قد يكون الشخص المحاور والمؤثر في الجماعات المنتخبة سواء القروية أو الحضرية أو الإقليمية أو الجهوية للمساهمة في تنمية التعليم.. وكذلك فيما يخص العلاقة مع العمالات التي تتحكم بدورها في تمويل المشاريع، وإن كان ذلك يخالف التوجهات المفترضة لدولة المؤسسات، حيث تكون الحكومة كاملة هي المسؤولة عن كل شيء. وفي انتظار حصول ذلك، يمكن استغلال اي شيء يخدم تنمية الإنسان المغربي..
كل هذا على افتراض “حسن نية” الدولة في تنمية التعليم، وليس تفقيره وفرض سياسة تقشف مجحفة ضده، وفي هذه الحالة كذلك قد يكون الوزير المعين مناسبا لهذا الأمر، مادام غير مرتبط بأي حزب قد يتعرض للمحاسبة من طرف الناخبين..
أمر آخر، قد يثير تخوفات العاملين في قطاع التربية والتعليم بجميع فئاته وأسلاكه، وهو عودة “المراقبة” البوليسية اللصيقة بالقطاع. وهنا قد تطرح مجموعة أفكار منها التساؤل التالي:
ممن قد تتخوف الدولة في هذا القطاع؟ هل من متطرفين محتملين يكونون وسطه كمدرسين ينفثون توجهاتهم وسط التلاميذ والطلبة؟
هل يفترض هناك تخوفات من فئة أخرى، قد تكون يسارية مثلا؟ أم فقط رغبة في ضبط التغيبات المفترضة؟ وإذا كان الحال كذلك، فإن هذا التوجه مآله الفشل، حيث يجب أن يكون للقطاع ذاته من يراقبه منه وإليه (التغيبات)..
وكذلك في هذا التوجه الذي لا يمكن للوزير أن يعطي فيه شيء، هو إضافة بيداغوجية أو تغيير المقررات نحو الأفضل.. فلذلك أصحابه ومتخصصوه، يمكنه فقط توفير الإرادة والتمويل والحرية البيداغوجية والباقي يتكلف به من يعرف كيف..
الأمر الأخير الذي أود ذكره، سيكون هناك حصار شديد على التوجهات ذات الطبيعة الإسلاموية في التربية والتعليم، وقد غزاه بشدة أصحاب هذا التوجه، وهم يعملون ليل نهار من أجل اكتساحه، ولهم في ذلك بعض المتعاونين من الإدارة نفسها، كما هو الشأن مع “المجالس العلمية” المتواجدة في كل إقليم..
تعليمنا يحتاج إلى العصرنة والتجهيز ونسمة حرية تخفف من تخلفه، ومنح العاملين فيه حقوقهم وتحسين شروط عملهم. وغير ذلك سيؤزم التعليم وسيكسب النقابات نفسا جديدا ليعود إليها المنخرطون دفاعا عن مصالحهم..
لا يحق لغير العاملين في التربية والتعليم متابعة ما يجري داخل المؤسسة التعليمية.
مصطفى لمودن، أستاذ التعليم