فاس نيوز
عبد السلام انويكة
حتى يكون فعل المجتمع المدني فعلاً مبنياً على مواكبة وتتبع، وعلى قضايا قُربٍ وعلاجٍ لِمَا يهم هذا القرب من إشكالات تنمية ووعي وتنوير ومواطنة وحقوق وواجبات وأخلاقيات…وفق ما ينص عليه القانون. وتنويراً لمهتمين ومهنيين ومعنيين ممن يتقاسم مسألة الطب والتطبيب كخدمة انسانية نبيلة، وفي إطار الوظيفي من أنشطة الفعل المدني المهني. كذا ما يهم انشغالات المواطن تجاه خدمات اجتماعية خاصة التي هي بحاجة لنقاش هادئ وتفاعل ورأي بين معنيين كل من موقعه، في أفق ايجاد حلول شافية ومقنعة من شأنها تجاوز طبيعة فهم ملتبس لأمور واختلالات يتقاسم مسؤوليتها أكثر من طرفٍ، كذا تجليات شبه مسكوت عنها لِمَا يطبعها من بياض تشريعي قانوني وتواصل وتحملات والتزامات. توجد المدينة تازة على موعد مع مناظرة وطنية طبية تفاعلية، ضمن أيام طبية علمية بقيمة مضافة هامة دأبت على تنظيمها جمعية الأطباء خلال ربيع كل سنة.
موعد تتقاسمه إسهامات باحثين ومهنيين وفاعلين عن مجالات ذات صلة وعن مراكز طبية ومعاهد بحث ومختبرات، من طب وقانون وتشريع وإعلام وحقوق إنسان وتكوين..، وذلك من أجل مساحة نقاش مسؤول مهني إنساني اجتماعي وخدماتي.. يهم مجال الطب والتطبيب والمواطن من حيث درجة الوعي والحدر والسؤال والتفاعل وحدود تحمل المسؤوليات.. يتعلق الأمر بالخطأ الطبي في منظومة الصحة والقانون والتشريع المغربي، وفي منظومة التعاقد والالتزامات بين أطراف معنية – عامة كانت أم خاصة- وبينها بين مؤسسات وصية. موعد بتيمة غير مألوفة في فعل المجتمع المدني، ارتأت جمعية أطباء الصحة بتازة إلا أن تطرحه بكل جرأة. ضمن أيامها الطبية خلال ربيع هذه السنة تحديداً يومي 5- 6 ماي 2017، في محاولة لبلورة قدر كافٍ من وعي مشتركٍ وأجرأةٍ لِمَا هو قانوني كائنٍ. وتجاوز ما هو بياض وخصاص تشريعي في هذا الشأن رغم تشعبه وتعقده، ضماناً لحق الجميع طبيباً/ مهنة من جهة ومريضاً / خدمة من جهة ثانية.
والواقع أن مهنة التطبيب/الطب ترتب ضمن أنبل المهن الانسانية على الاطلاق، والتي تفرض واجباً اخلاقياً وقانونياً، من خلال بذل جهد يروم تدخلا ما وتحقيق علاج مرض ما. خاصة وأن الطب قطع أشواط تطور نوعيٍ هامٍ خلال السنوات الأخيرة، لدرجة الحديث على أنه بات لكل داء دواء وأن الطب لم يعد يقف على العلاج فقط، بل أصبح يشمل جوانب جديدة ذات علاقة برغبات الانسان حتى وإن لم يكن مريضاً، كما بالنسبة للجراحة التجميلية والحمل الاصطناعي…بالمقابل ورغم كل ما يرافق المجال الطبي من تحول وتطورات نوعية تكنولوجية وعلمية وغيرها، فالأمر لم لايزال لا يخلو من مخاطر وتعقيد وأخطاء طبية، مثل ما نجده في مختلف أوجه تطور الحياة الانسانية. ومن هنا فقد كثرت الأخطاء الطبية وكثرت معها دعاوي وشكاوي معنيين..، وأصبح الحديث عن أخلاقيات مهنة الطب وعن ما يمكن نعته بتقصير وعشوائية في خدمة تطبيبية..وعن نسيان لمواد وأدوات أثناء عمليات جراحية..وهو ما تتناقله الصحافة ونجده على صفحاتها من حين لآخر. بل هناك من يتساءل من متضررين ومهتمين.. حول درجة مساءلة الطبيب عن أخطاءه، خاصة إذا كان بخبرة ومعرفة علمية كافية مشهود له بها. علماً أن ما ينطوي عليه العمل الطبي وعمل الطبيب من أخطار وطوارئ ومضاعفاتٍ، لا يمكن تفاديها كيفما كانت الخبرة والمعرفة والتكوين..ولا أحد لا يقف متأملا متفاعلا مع ما تنقله الصحافة بشكل بات معبراً ومثيراً للسؤال، حول ما يحصل هنا وهناك من حوادث بمستشفيات ومصحات. ولعل الحوادث الأكثر إثارة تلك التي تخص تدخلات طبية، تكون نهايتها حصول ضرر لدى مريض ما. وأن هذه الحوادث هي بوتيرة متزايدة من سنة لأخرى وعلى عدة مستويات، مع أهمية الاشارة الى أنه لا يستثنى من أضرارها لا الرضع ولا الأطفال، بسبب إما تلقيحات أو عمليات ختان..كذا ما يلحق بنساء حوامل وما يحصل أثناء عمليات توليد…
واقع بقدر ما اتسعت معه مقاضاة الأطباء في اطار ما يُعرف بالخطأ الطبي، بقدر ما يدفع للحديث عن مسؤوليات وعن تحول من شبه تقديس مهنة الطبيب، الى مساءلته عن أخطاءه كما هو الحال في باقي المهام والمهن الأخرى. وما حصل خلال السنوات الأخيرة من تطور تقني تكنولوجي مرافق للعمل الطبي، من آلات تشخيص وعمل أشعة وتحاليل مخبرية..بقدر ما زاد من حصول أخطاء طبية بقدر ما تطور معه ما هو قانوني مهتم بالعمل الطبي، وما هو بحث في هذا المجال حول الطب هل هو تعاقد أم وظيفة أم…عِلماً أن القضاء في الدول المتقدمة بدأ يدين الأطباء عن أخطائهم، ويتحدث عن التعويض سواء تعلق الأمر بطب عام أم خاص..على أساس أن عمل الطبيب هو عمل حرفي يحتاج للدقة والمعرفة الدقيقة والتكوين والتكوين المستمر…كما أن عمل الطبيب هو عمل مرتبط بجسم الانسان، وهذا الجسم يحتاج لعناية بالغة لأن أي خطأ متعلق به قد يؤدي الى حدوث ضرر ما فيه. من جهة أخرى فإن عمل الأطباء وما قد يحصل أثناءه من أخطاء، يثير مسألة حقوق الانسان حول سلامة الجسد وكرامة المريض، وأن ضرر الجسم يؤطره القانون/ من وفاة وعجز دائم وعجز جزئي. ومن هنا وجب السؤال حول المرض ومعاناة المرضى، وحول ما يمكن أن يجمع بين تهاون وتلاعب ولامبالاة، وحول درجة رقابة وحرية تصرف الأطباء وتراجع انسانية عملهم الطبي بعيدا عن أي تعميم للسلوك..
أسئلة وغيرها لا يمكن معرفة حدودها ودرجة صدقتها ودقتها، دون رأي وبَوحِ من الطبيب نفسه ودون إنصات لباحثين مهتمين ولواقع حالٍ شروط المَهَمَّةٍ فيه باتت بضغط شديد…مع أنه لا يمكن نكران ما يبذله الأطباء من جهد من أجل إنقاد حياة الناس، عِلماً أن هناك اكراهات عدة ومتداخلة تجمع بين طبيعة بنيات تحتية وعرض طبي، وبين اكتظاظ وتعدد أمراض/ سكري مثلا وقلب و..اضافة لكل ما هو تدبير بالمستشفيات والذي كثيراً ما يكون بأثر معبر على ما هو جودة خدمات وتجويد. فهل هناك من نظام وقانون يوفق بين طبيب مخطئ ومريض متضرر؟، ولماذا هناك صعوبة في إثبات المسؤولية الطبية في الخطأ الطبي؟، وصعوبة تحديد طبيعة المسؤولية الطبية؟. وكيف يمكن الحفاظ على موقع وكرامة الطبيب في ممارسته لمهامه، وحقه في اختيار وسائل وطرق علاجه للمريض؟، أليس هناك خلل في توازن بين مريض ضعيف يحتاج لعمل طبيب وبين طبيب يستطيع فرض جميع شروطه؟. أليس هناك مشكل سرية في العمل الطبي لكونه يجري في غرف مغلقة، مع أن السرية هنا محمية قانوناً بحيث الملف الطبي للمريض يدخل ضمن هذه السرية، ومن هنا صعوبة اثبات المريض لخطأ الطبيب؟. وما علاقة الخبرة الطبية بالخطأ الطبي، وهل يمكن أن تتحول هذه الخبرة الى موضع شك؟،وهل إثبات الخطأ الطبي مسألة صعبة لأن الأخطاء الطبية ترتبط بأمور دقيقة ومعقدة؟. وما علاقة صعوبة اثبات الخطأ الطبي بإنصاف المريض المتضرر من خلاله تعويضه؟، لماذا القواعد العامة والقوانين الجاري بها العمل أو التقليدية، غير كافية لحل صعوبات الخطأ الطبي بخلاف الأخطاء الأخرى المدنية، علماً أن القاعدة العامة هي أن المدعي يكون ملزماً بثبات ما يدعيه؟. كيف يمكن اثبات إخلال الطبيب بالتزاماته الواقعة عليه، أليس المريض المتضرر الذي لا يفقه في الطب هو طرف ضعيفا في العملية؟، وما نصيب الشهادة والكتابة والقرائن والخبرة في اثبات الخطأ الطبي؟..وهل هي قادرة على إثباته، وهل نقل القوانين المنظمة للطب من قطاع الصحة الى قطاع لعدل من شأنه تحقيق المصداقية والانصاف في مثل وضعية الخطأ الطبي؟، وهل يمكن الحديث حول كون خطأ الطبيب لا يمكن مقارنته بأخطاء أخرى في مجالات أخرى؟، وهل هناك أنواع ودرجات في الخطأ الطبي بين الفني منها والطبي والعادي وغير العادي؟… وما أسباب الخطأ الطبي؟، وهل عمل الفريق والاستشارة من شأنه التقليل من الخطأ الطبي؟، ثم ماذا عن خطأ طبي غير مقصود في عمل الطبيب، وعن العوامل المساعدة على اتساع ظاهرة الخطأ الطبي؟، وماذا عن الكلفة الاجتماعية؟، ولماذا أكثر الأخطاء هي ذات صلة بما هو جراحي أساساً؟، ماذا عن الخطأ الطبي من وجهة نظر قانونية وحقوقية وإنسانية و..؟أسئلة وغيرها يُتوقع أن تحضر أشغال الأيام الطبية الربيعية في دورتها الثانية عشرة، والتي تنظمها جمعية أطباء الصحة بتازة في بادرة جمعوية وظيفية هي بموقع خاص ومتفرد في المدينة منذ عدة سنوات. ولعل طرح هذا الموضوع للنقاش ومقاربته طبياً وقانونياً وحقوقياً واعلامياً، وبهذه الجرأة والانتقاء والنوعية والشجاعة الأدبية، يعكس ما يُمكن أن يُسهم به الفعل الجمعوي الوظيفي عملياً- كما الحال بالنسبة لجمعية أطباء الصحة بتازة من خلال مواعدها العلمية من أدوار رافعة وفاعلة، من شأنها رفع وتيرة تنمية بشرية منشودة، ووتيرة حكامة جيدة وتكريس ثقافة حق وقانون ومواطنة.
أستاذ وباحث في علم التاريخ
عبد السلام انويكًة