متابعة
أصدر تجمع مندوبي وأطر ومستخدمي التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية بجهتي فاس ومكناس، المجتمعون بمدينة إفران يومي 28 و29 أبريل 2017، بلاغا، عبارة عن نداء إلى رئيس الحكومة، والبرلمانيين، والأحزاب السياسية، والمركزيات النقابية، والجمعيات الحقوقية، وكافة القوى الحيّة، جاء فيه:
نحن، مندوبي وأطر ومستخدمي التعاضدية العامة لموظفي الإدارات العمومية بجهتي فاس ومكناس، المجتمعون بمدينة إفران يومي 28 و29 أبريل 2017، وبعد نقاش معمق ودراسة مستفيضة للوضع الذي أصبح يعيشه القطاع التعاضدي بالمغرب، في خضم التجاذبات مع القطاع العام والقطاع الخاص حول الدور الذي يجب أن يلعبه هذا القطاع التعاضدي إلى جانبهما في الولوج إلى الخدمات الصحية، ومدى قدرته على تسهيل الولوج للعلاج والاستشفاء لمنخرطيه وذوي حقوقهم، خاصة المتواجدين في المناطق النائية والمغرب العميق التي لا يتواجد بها القطاع الخاص ويعاني فيها القطاع العام، من غياب المرافق الصحية أو الافتقار للتجهيزات الطبية أو لضعف الموارد البشرية، مما يحرمهم من التطبيب والعلاج على قدم المساواة مع باقي المواطنين خاصة المتواجدين بمحور الدار البيضاء الرباط القنيطرة، بل ويحط من كرامتهم ( ارتفاع حالات الولادة أمام المستوصفات وفي قاعات الانتظار) ويتهدد حقهم في الحياة، وخاصة ذوي الأمراض المزمنة والمكلفة وفي وضعية إعاقة وكذا المسنين والأطفال، كانت الطفلة “ايديا” آخرهم بسبب غياب التجهيزات الطبية.
قد استحضرنا هشاشة الوضع الصحي بالمغرب بناء على التقارير الوطنية والدولية التي تنبه إلى تراجع الخدمة الصحية العمومية وصعوبة الولوج للعلاج في القطاع الخاص، حيث لا تتجاوز الكثافة الطبية 2,6 طبيب لكل 10.000 مواطن مقابل 11,9 في تونس.
وقد صرحت الحكومة بكون قطاع الصحة يحتاج إلى ما يفوق 6000 طبيب، و9000 ممرض من أجل تغطية الحاجيات.
كما إن هذا الوضع يزيد من إنهاك القدرة الشرائية للمواطنين بسبب غلاء فاتورة التطبيب، حيث أكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي أنه يتـم تمويـل الانفـاق علـى الصحـة بمعـدل %53,6 مـن جيوب الأسر المغربية مباشرة. مما يعني غياب التوزيع العادل للخدمات الصحية بين مختلف فئات المجتمع من جهة وبين الجهات والأقاليم من جهة ثانية.
إن هذا الواقع الصحي غير المتوازن وغير الفعال، ليعتبر مفارقة صارخة مع مقتضيات دستور 2011 الذي ألزم الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية على تعبئة كافة الوسائل المتاحة لتيسير أسباب استفادة المواطنين على قدم المساواة من الحق في العلاج والعناية الصحية، والحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي، أو المنظم من طرف الدولة.
ففي الوقت الذي تم فيه تحرير القطاع الصحي ومنح الرأسمال (مول الشكارة) حق إنشاء المصحات، نجد مشروع مدونة التعاضد يغرد خارج السرب إذ يجهز على مكتسبات القطاع التعاضدي في الحفاظ وإحداث مشاريع ووحدات اجتماعية وصحية كانت السباقة إلى إنشائها في المغرب، وبالضبط خلق أول عيادة أسنان بالمغرب سنة 1962. ناهيك عن كون هذا المشروع يحرم ما يزيد عن مليون و500 ألف منخرط من خدام الدولة وأطرها وموظفيها وأعوانها وذوي حقوقهم من الخدمات الصحية والطبية التي تقدمها التعاضديات.
وفي الوقت الذي نقلت فيه الدولة عددا من اختصاصاتها في المجال الصحي للمجالس الجهوية لضمان النهوض بأوضاع المواطنين الاقتصادية والاجتماعية والصحية، يجهز مشروع مدونة التعاضد على النزر القليل من الاختصاصات التي خولها ظهير 1963 للتعاضديات.
إن هذا التناقض ليعبر بشكل جلي عن تخلف كبير في مواكبة دستور 2011، الذي نص صراحة على حق المواطنين والمواطنات في الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية، والتضامن التعاضدي، ويتنافى جملة وتفصيلا مع التوجيهات الملكية السامية الواردة في رسالة صاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله الموجهة إلى المشاركين في المناظرة الوطنية الثانية للصحة، المنعقدة يوم 01 يوليوز 2013 بمراكش، ويتعارض كلية مع التوجهات الاستراتيجية للبلاد في مجال الصحة الهادف إلى حفظ كرامة المواطنين والمواطنات عبر تمكينهم من وسائل التطبيب والعلاج. وهو التوجه الذي تترجمه مؤسسة محمد الخامس للتضامن من خلال بناء مراكز للعلاج في عدد من التخصصات (تصفية الكلي، السرطان، ألزهايمر، محاربة الإدمان وغيرها) وتنظيم قوافل وحملات طبية لفائدة السكان في وضعية هشاشة بالمناطق النائية والمهمشة من قبل القطاعين العام والخاص، وفي المقابل يتم التضييق على التعاضديات والعمل التعاضدي.
إننا كمندوبين وعاملين في القطاع التعاضدي واعون جدا بخطورة الهجمة الشرسة على حقوقنا ومكتسباتنا التي رسخناها من خلال العمل التعاضدي بشكل تطوعي ودون مساهمة أو دعم مادي من طرف المؤسسات الصحية، وندرك جيدا ماذا يعني حرمان آلاف المنخرطين وذوي حقوقهم من خدمات عيادات الفحوصات الطبية وعيادات طب الأسنان والبصريات التابعة للتعاضديات، وكذا حرمان مئات المستخدمين وعائلاتهم من مورد رزقهم، بعد إغلاق هذه الوحدات الصحية.
ولذلك نطالب الحكومة بتحمل مسؤولياتها التاريخية والأخلاقية والأخذ بعين الاعتبار الصالح العام قبل الإقدام على أي خطوة لإقرار مشروع المدونة التراجعي. كما نطالب كافة القوى الحية بالبلاد، من فرق برلمانية وأحزاب سياسية ونقابات وجمعيات حقوقية ومختلف مكونات المجتمع المدني المغربي، إلى العمل على تفادي كارثة اجتماعية وصحية بكل المقاييس، بالتصدي لكل المناورات الساعية إلى وأد العمل التعاضدي بالمغرب والإجهاز على خدماته ومناصب الشغل التي يوفرها للمغاربة، وندعوهم للوقوف في وجه المتاجرين بصحة المواطنين والعابثين باستقرار البلاد.
كما ندعوهم للضغط بقوة، كل من موقعه، من أجل سحب مشروع القانون رقم 109.12 بمثابة مدونة التعاضد وإحالته على لجنة مستقلة لمراجعته قصد صياغة قانون يحصن المكتسبات الصحية والديمقراطية ويحفز على تطوير القطاع طبقا لمقتضيات الدستور، ويضمن الانصاف والعدل في الاستفادة من العلاج والتطبيب بين كافة المواطنين عبر ربوع التراب الوطني.
وإننا إذ نحذر من مغبة المساس بحقنا الدستوري في العلاج والحماية الاجتماعية والتضامن التعاضدي، سنتصدى بقوة وبكل الوسائل لكل من يسعى وراء الإجهاز على ما حققناه منذ ما يقارب قرنا من الزمن، من خدمات اجتماعية وصحية وممارسة ديمقراطية، وندعو كافة المنخرطات والمنخرطين والمواطنات والمواطنين إلى تكثيف مقاومتهم لهذه الهجمة الشرسة على حقوق ومكتسبات ذويهم وعائلاتهم في إطار الجبهة الوطنية الموسعة التي تضم إلى جانب التعاضدية العامة باقي مكونات الاقتصاد الاجتماعي والتضامني من تعاونيات وجمعيات والتأهب للدفاع عن مصالحهم التعاضدية.