نظرية الصدمة .. أو (يا الطامع فالزيادة رد بالك من النقصان)

أمين شاب عربي يشتغل في مقاولة محلية . يظن أنه يستحق أكثر من الأجر الذي يتسلمه . فكر أن يطلب من المدير تزويد أجره فقصد مكتب الأخير ، فإذا به يبادره بأن الشركة بصدد الإستغناء عن عدد من الموظفين و أمين من بينهم .

صمت المدير برهة بعد أن جعل “أمين “في حالة صدمة .. بعد ذلك و عقب تفكير متأني وعد أمين بأنه سيقوم بالمستحيل لأجل أن يبقى أمين في عمله ، غير أنه يتوجب عليه القبول بأجر أقل ، نظراللأزمة المالية التي تمر بها الشركة .

طبع سيقبل أمين بكل فرح تخفيض أجرته الشهرية ويستمر في عمله و هو ممتن طول حياته للمدير الذي جنبه الطرد .

.. باختصار هذه هي نظرية الصدمة .. و تفاصيلها كما يلي :

( تقوم نظرية الصدمة على فكرة ( أن الأزمات تجعل ما هو مستحيل حدوثه سياسياً ، أمراً لا مفرّ منه أو قابل للتحقيق فى ظل أزمة عاصفة )، وهذه النظرية ولدت في كلية الاقتصاد في جامعة شيكاغو على يد المفكر الاقتصادي ملتون فريدمان وتبنتها الإدارة الأمريكية على مدى العقود الاربعة الماضية.

وقد أصدرت المفكرة والكاتبة الكندية نيومي كلاين في سبتمبر 2011 كتابها المعنون بـ “عقيدة الصدمة، وتناول الكتاب الأسس النظرية وتاريخ التطبيقات العملية لسياسة الاستغلال الأقصى للصدمات التي تتعرض لها الشعوب سواء كانت هذه الصدمات بفعل الكوارث الطبيعية (تسونامي ونيو أورليانز) أو المفتعلة (انقلابات، حروب، غزو، تعذيب) .

وقد عرضت المؤلفة للتجارب المؤلمة التي أخضعت لها الشعوب من أجل تحقيق مصالح طبقة النخبة الرأسمالية المتحكمة بمفاتيح الثروة ابتداءً من الانقلاب الذي قاده بينوشيه عام 1973 في تشيلي بدعم من وكالة الاستخبارات الأمريكية ضد حكومة سلفادور ألليندي المنتخبة، والذي جرى في 11 سبتمبر للمفارقة، وانتهاء بالاستغلال الفاحش لمواطني نيو أورليانز بعد كاترينا فضلاً عن الممارسات المفرطة في الظلم والوحشية والفساد التي شهدها العالم أجمع في العراق مروراً بما حدث في تيانانمين وفي روسيا وجزر الفولكلاند.

وفي اطار عرضها، ذكرت أن جميع هذه الأحداث لم تكن عشوائية ولكنها كانت ثمرة منهج مؤصل وموثق في شيكاغو يؤمن بأن النخبة الاجتماعية التي تقبض على الثروة هي وحدها المؤهلة لدفع عجلة النمو الاقتصادي وأن جميع العراقيل التي من شأنها أن تعوق مسيرة هؤلاء يجب أن تزال ولوكانت هذه العوائق تتمثل في حق المواطن العادي أن يعيش حياة كريمة تتوفر له فيها مقومات العيش الكريم الأساسية.

وخلصت في كتابها الى ان كل تلك الكوارث، سواء كانت من صنع الطبيعة أو من صنع البشر، أحدثت شعوراً بالصدمة لدى المجتمعات التي وقعت فيها، وتم استغلال تلك الصدمة لتمرير سياسات السوق الحرة، ونشر الخصخصة، وتعزيز رأسمالية الكوارث.

ومن الامثلة التي يسوقها الكتاب كمثل صارخ على نظرية فريدمان، هوفكرة فريدمان الجذرية بعد كارثة فيضانات نيو اوليانز، وهي انه بدلاً من انفاق جزء من مليارات الدولارات المخصصة لإعادة البناء، في اعادة بناء وتحسين نظام المدارس العامة القائم في نيواورلينز، ينبغي على الحكومة ان تزود العائلات بصكوك يمكن انفاقها في المؤسسات الخاصة ، التي يتوخى العديد منها الربح، والتي ستتلقى دعماً مالياً من الولاية. وقد كتب فريدمان، ان من المهم جداً ألا يكون هذا التغيير الأساسي مؤقتاً ولسد الفراغ بل ان يكون “اصلاحاً دائماً”.

وقد انتهزت شبكة من بيوت الخبرة اقتراح فريدمان وتقاطرت على المدينة بعد العاصفة. ودعمت ادارة جورج دبليو بوش خططها بملايين الدولارات من أجل تحويل مدارس نيواورلينز إلى مدارس خاصة يمولها الجمهور وتديرها هيئات خاصة وفق الأسس والقواعد التي تراها ومثل هذه المدارس تخلق شروخاً عميقة في المجتمع الأمريكي، ويتجلى ذلك في نيواورلينز اكثر من سواها، حيث ينظر إليها العديد من أولياء أمور التلاميذ الأمريكيين من أصل افريقي، باعتبارها وسيلة للتراجع عن مكاسب حركة الحقوق المدنية، التي ضمنت لجميع التلاميذ مستوى واحدا من التعليم. أما بالنسبة إلى فريدمان، كما تقول المؤلفة، فإن المفهوم الكلي لنظام المدارس التي تديرها الدولة ينضح بالاشتراكية. وينحصر دور الدولة في نظره في “حماية حريتنا من أعدائنا المتربصين وراء بواباتنا، ومن زملائنا المواطنين والحفاظ على القانون والنظام، وفرض تطبيق العقود الخاصة، وتعزيز الاسواق التنافسية”. وبكلمات أخرى توفير رجال الشرطة والجنود أما كل شيء آخر، بما في ذلك توفير تعليم حر ومجاني، فهو تدخل جائر في شؤون السوق.

وفي التطبيق الاقتصادي، فهناك مثل واضح ويتم استخدامه في بلادنا حتى الان، وهو ماحدث في شيلي، حيث تعلم فريدمان كيف يستغل الصدمة أو المحنة الواسعة النطاق في أواسط سبعينات القرن الماضي عندما عمل مستشاراً لدى الدكتاتور التشيلي، الجنرال أوغستو بينوشيه، فلم يكن التشيليون في حالة صدمة فقط في اعقاب انقلاب بينوشيه العنيف، بل كانت البلاد كذلك تعيش صدمة التضخم الحاد، وقد أشار فريدمان على بينوشيه ان يفرض تحولاً سريعاً جداً في الاقتصاد خفض الضرائب، وتحرير التجارة، وخصخصة الخدمات، وخفض الانفاق الاجتماعي، ووقف تدخل الحكومة وتحكمها بكثير من الأمور، وأخيراً رأى التشيليون حتى مدارسهم العامة تستبدل بمدارس خاصة يمولها كفلاء.

وكان ذلك أشد عملية تجميل رأسمالي تمارس في أي مكان، وأصبحت تعرف باسم ثورة “مدرسة شيكاجو”، لأن العديد جداً من رجال الاقتصاد لدى بينوشيه كانوا قد درسوا على يدي فريدمان في جامعة شيكاجو.

وقد تنبأ فريدمان بأن سرعة وفجائية وحجم التحولات الاقتصادية سوف تثير ردود فعل نفسية لدى الجمهور “تسهل اجراء التعديل”. وقد ابتدع عبارة تصف هذا التكتيك المؤلم، وهي “معالجة الاقتصاد بالصدمة” وفي عشرات السنين التي تلت ذلك، عندما كانت الحكومات تفرض برامج كاسحة لتحرير السوق، كانت المعالجة الفجائية بالصدمة، هي الاسلوب الذي تختاره.

وقد سهل بينوشيه اجراء التعديل، باستعماله علاجات الصدمة الخاصة به، وكانت هذه تمارس داخل زنازين التعذيب العديدة الخاصة بنظام بينوشيه، ذلك التعذيب الذي كان يحيق بأجساد من يعترضون سبيل التحول الرأسمالي.

هنا تولدت ثلاث صيغ للصدمة، وهي الصدمة الطبيعية بالكوارث والصدمة الاقتصادية وصدمة التعذيب على الاعتراض.

بعد ثلاثين سنة من استعمال هذه الاشكال (الصيغ) الثلاثة من الصدمة التي طبقت في تشيلي، عادت هذه الصيغة إلى الظهور من جديد، بعنف أشد بكثير، في العراق. فأولاً، جاءت الحرب، التي كان الهدف منها على حد قول مؤلفي مبدأ (الصدمة والرعب) العسكري، هو “السيطرة على ارادة الخصم، وأحاسيسه وادراكه وجعل الخصم عاجزاً بالمعنى الحرفي عن الفعل أو الرد”.

وبعد ذلك جاء علاج الصدمة الاقتصادية الجذري، الذي فرض، بينما كانت البلاد لا تزال تحت لهب النيران، من قبل المبعوث الأمريكي بول بريمر وذلك بالخصخصة الشاملة، والتجارة الحرة بصورة كاملة، وخفض الضرائب بنسبة 15%. وخفض حجم الحكومة على نحو دراماتيكي.

واليوم ونحن نرى في بلادنا تغول الرأسمالية والاقتصاد الحر فلا يوجد داعي للتشكيك بان الصدمات التي تعانيها مجتمعاتنا هي صدمات مفتعلة ومخططة ووراءها الشركات العابرة للقارات، وعملائها المنتشرين في حكوماتنا والقادرين على تحويل الامنا الى ارباح واجهاض احلامنا التحررية…لابد من مراجعة المفاهيم الاقتصادية لان التحرر الوطني بات في تناقض مع النمط الاقتصادي المفروض علينا فرضا..ولابد من مراجعة وطنية من يفرضونه لانهم غالبا ماسيكونون عملاء مخفيين .)

إيهاب شوقي