من مراسلاتكم .. “في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبةٍ أَجْرٌ ” عن أبي هريرة ( تحية لناس فاس )

مع قرب حلول فصل الصيف و اشتداد الحرارة بمدينة فاس ، يعمد بعض المواطنين( الحكماء) الى وضع أواني ماء على الشرفات ، لأجل أن ترتوي منها الطيور .

الصورة المرفقة من مراسلاتكم ، توصلنا بها من أحد القراء الأوفياء مرفوقة برسالة هي كالآتي :

ملء الاواني بالماء لإرواء عطش الطيور في هذه الحرارة ربما هي مبادرة تستحق التشجيع فانشروها ليفعل كل شخص مثل هذه المبادرة ربما يؤجر المرء عليها
الصورة من مدينة فاس امام مقاطعة سايس

بسم الله الرحمن الرحيم
رياض الصالحين
شرح حديث أَبِي هريرةَ -رضي الله عنه-: “في كُلِّ كَبِدٍ رَطْبةٍ أَجْرٌ” وحديث البغيِّ التي سقت الكلب فغفر الله لها
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذا هو الحديث العاشر من الأحاديث الدالة على كثرة طرق الخير، وهو حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئراً فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث…))([1])، ومعنى يلهث أي: أنه يخرج لسانه -يحرك لسانه- من شدة العطش، ومثل هذا لا يكون عادة إلا في الكلب، يقول: ((فوجد بئراً فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثَّرى من العطش))، والثَّرى هو التراب الذي فيه رطوبة، وهو من شدة عطشه يريد أن يبرد حر العطش بأكل هذا التراب الرطب.
((فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلبُ من العطش مثل الذي كان بلغ مني))، ويحتمل أن يكون: لقد بلغ هذا الكلبَ من العطش، يعني: العطش هو الذي بلغ منه، العطش هو الفاعل.
يقول: ((فنزل البئر فملأ خفه ماء، ثم أمسكه بفيه حتى رَقِي فسقى الكلب، فشكر اللهُ له فغفر له))، وفي بعض الروايات: ((أنه سقاه حتى ارتوى -حتى ذهب عنه العطش-، فشكر اللهَ له))، إذا ضُبطت هكذا يكون الذي صدر منه الشكر هو هذا الكلب، والله -عز وجل- يجعل لهذه البهائم من الإدراكات ما لا يخفى، وقد يكون بالحال، والمشهور “فشكر اللهُ له”، أي: أن الله -تبارك وتعالى- شكور لعباده، أي: أنه يجزي بالإحسان إحسانًا، ويوفي عمل العاملين، ويضاعف ذلك، فهذا من شكره -تبارك وتعالى- للعبد.
قالوا: يا رسول الله، إن لنا في البهائم أجرًا؟، معناها: أنهم كانوا يتصورون أن الأجر والخير هو بالإحسان إلى الناس فقال: ((في كل كبد رطبة أجر))، الجواب أعم من السؤال، فيدخل فيه الإنسان وغير الإنسان من الكائنات الحية، الكبد الرطبة يقال ذلك للحي، لأن الإنسان إذا مات جفت أعضاؤه، جفت كبده، وما أشبه ذلك، ((في كل كبد رطبة أجر))، فيدخل في ذلك جميع أنواع الحيوان، ويدخل في ذلك الإنسان المسلم والكافر والصالح وغير الصالح، ولذلك قال الله -عز وجل-: {لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ} [البقرة: 272]،