خصص الكاتب الصحفي الدنماركي الشهير كارستن ينسن، بعد عودته من رحلة إلى المغرب، حيزا من تأملاته العميقة لمحطة “نور ورزازات” للطاقة الشمسية، حيث بدا متأثرا بسحر لوحات الطاقة الشمسية العملاقة التي أكد أنها بمثابة “وحي في الصحراء”.
وكتب، في مقال نشر مؤخرا على أعمدة صحيفة (بوليتيكن) الدنماركية، “أعترف بذلك. فحينما كنت في صحراء جنوب المغرب وجدت وحيا أمام أكبر محطة للطاقة الشمسية الحرارية في العالم. إنه “ليس وحيا دينيا، بل له علاقة ما، بدون شك، مع مفهوم الإيمان”.
وقال “إنه إيمان بالإنسان. في إبداعه الذي لا ينضب وسعيه للبقاء، ولكن ليس مثل زمن التصنيع الصارم، إنه بقاء لا يعبر عنه بالاستعارات المستمدة من الحرب، بل عبر مجال التعايش والمجتمع”.
وبدأ ينسن، الذي زار المغرب بدعوة من بنك الاستثمار الأوروبي، سرده الشاعري بوصف دقيق للصحراء التي تمتد إلى أفق سفوح الأطلس “مثل قاع بحر جاف وصخري” مرصع ببقع من الملح الأبيض، التي يضيء هنا وهناك أحجار البازلت الرمادية والسوداء، وهي من بقايا المحيط الذي كان يغطي هذه المناطق.
وكان بنك الاستثمار الأوروبي استثمر أكثر من 300 مليون أورو في المشروع الذي سيصبح أكبر محطة للطاقة الشمسية الحرارية في العالم التي ستوفر الكهرباء لنحو مليون شخص، والتقليص بنحو 750 ألف طن من انبعاثات الكربون.
وأشار إلى أن “المرآة الشمسية ليست سوى تعاون آخر مع الشمس”، متهما بشكل لاذع الموجة التصنيعية التي بنت علاقتها مع الطبيعة في شكل استعارات مستمدة جميعها من الحرب.
وأعرب عن الأسف “أننا نصف أنفسنا كأرباب للطبيعة : لقد قهرنا الطبيعة، أخضعناها واستعملناها. الطبيعة عدو مهزوم أو عبد بدون قانون يمكن أن يقاوم جميع أنواع المعارك، بوجود ندوب لمناجم الفحم والنحاس في الطبيعة، والاعتداء الغير مرئي بالوقود الأحفوري في الغلاف الجوي للأرض، والقضاء على عدد متزايد من الأنواع”.
وأضاف “إننا نواجه تقدمنا حاليا، ومثلما نحفر عميقا في باطن الأرض وفي مناجم الفحم وحقول النفط، فإننا نواجه قبور موتانا”.
وعلى الرغم من هذا الاستنتاج الكئيب، فقد استعرض الكاتب الغنى التاريخي لورزازات، التي رغم الصحراء، توجد بالقرب من منشأة متطورة على المستوى التكنولوجي، منازل بنيت من الطين وفلاحين يعيشون في وئام مع هذا الفضاء، وأبراج وجدران مزخرفة، شاهدة على ثقافة قديمة مع العديد من الروافد العربية والأمازيغية واليهودية والأوروبية.
وتساءل عن “الفائدة من ممارسة الفلاحة أمام منشأة شمسية ضخمة تغطي منطقة بنحو 3000 هكتار ؟” قبل أن يؤكد أن هذا المشروع قد “ولد من مبادرة مغربية وبدعم من مقاولين سعوديين، وتكنولوجيا إسبانية وعمالة صينية” وأنه “ينفك عن الزمن والفضاء ويعبر عن سمة إنسانية عالمية، وبراعتنا”.
وفي هذا السياق، أشار إلى أن هذا المشروع الضخم جاء، أولا وقبل كل شيء، من انبثاق وعمل صاحب الجلالة الملك محمد السادس، القائد الملهم، والذي يروم التقليص بنسبة 52 في المائة من الاحتياجات الطاقية للمملكة سنة 2030 بالاعتماد على الطاقة المستدامة.
وبعدما أعطى لمحة عامة، وشهادات داعمة حول محطات “نور” و”نور 1″ ونور 2″ المتوفرة على عشرات آلاف الأطنان من المرايا المقعرة المطيعة لأوامر الشمس، قال إن محطة “نور 3” التي بنيت وفق نموذج مختلف تماما “تعطيني الانطباع بأنها في غابة سحرية بنيت كالفطر”.
ويرى أن مشروع “نور بمثابة تمجيد للشمس، وليس كأنها لاهوت، بل كشريك”، حيث تعبر نور عن “فهم عميق بأننا لسنا أسياد الخلق. نحن لا نقوم سوى باستعارة الكوكب”.
وخلص إلى أن “نور ليس مغربيا ولا أوروبيا، ولا سعوديا، بل يعبر عن عمل إنساني مشترك، وساحة للمعركة حيث يتم تنظيم مستقبلنا، وليس في حالة حرب البعض ضد الآخر، أو حضارة ضد حضارة أو ضد الطبيعة، بل آخر محاولة لتفادي زوالنا، بالتعاون مع الطبيعة التي أسأنا التعامل معها”.
واشتغل الكاتب الصحافي الدنماركي كارستن ينسن، الذي ازداد في 24 يوليوز 1952، في البداية مع يومية (بوليتيكن) وتعاون فيما بعد مع العديد من العناوين الصحفية الأخرى في الدنمارك، قبل أن يتقلد ما بين 1985 و1990 منصب رئيس تحرير مجلة “فريداغ”.
وحصل ينسن في سنة 1997 على اللقب الذهبي للمكتبات الدنماركية عن كتاب حول الرحلة صدر سنة 1996.
وقام ابتداء من سنة 2001 بالتدريس في كلية الآداب التابعة لجامعة أودنس (جنوب الدنمارك)، ويشارك في البرامج التلفزيونية.
ومنحته إذاعية “بي 2″، في سنة 2007، جائزة الرواية عن روايته الأولى “نحن، الغرقى”، التي توجت أيضا بالجائزة الأدبية لبنك الدنمارك وقيمتها 300 ألف كرونة دنماركية (40 ألف أورو).
وحصل في سنة 2010 على جائزة أولوف بالمه، التي تمنحها مؤسسة “إيبونيما” السويدية.