برلين – كما في استطلاعات الرأي حيث ظل الاتحاد المسيحي الديمقراطي في المقدمة منذ شهرين، تخرج مرة أخرى زعيمة الحزب المستشارة الالمانية انغيلا ميركل منتصرة على خصمها الاشتراكي الديمقراطي مارتن شولتس في مناظرة تلفزيونية حضر فيها التوافق حول أهم القضايا وغاب فيها الجدل والهجوم الذي كان يتوقع أن يعتمده شولتس لتجاوز تقدم منافسته.
وأظهر استطلاع سريع أجرته مؤسسة مختصة بطلب من القناة التلفزيونية الأولى “أ.أر. دي” وشارك فيه قرابة ألف مشاهد للمناظرة التلفزيونية أن المستشارة ميركل نجحت في اقناع عدد أكبر من الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم بعد.
فقد حصلت ميركل على نسبة 48 في المائة من أصوات الذين لم يحسموا أمرهم في التصويت المرتقب في الرابع والعشرين من الشهر الجاري. فيما تمكن منافسها شولتس من جذب حوالي 36 في المائة من الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم بعد.
وكان مارتن شولتس يعول كثيراً على هذه الشريحة من الناخبين محاولا جذبهم إلى جانبه والتصويت لصالحه في الاقتراع المرتقب.
وفوت شولتس فرصته الاخيرة لترجيح كفته الانتخابية لانه حسب المراقبين فان ميركل لا تبدي نقاط ضعف يمكن للاشتراكيين الديموقراطيين تركيز هجماتهم عليها، مع تحقيقها حصيلة اقتصادية تحسدها عليها كل دول أوروبا حيث تراجعت البطالة إلى حد أدنى تاريخي، واتباعها سياسة وسطية.
وسجلت بعض التقارير الصحفية أن المناظرة كانت عبارة عن إشهار للتحالف الكبير وعدم طرح قضايا كبرى تشكل مصدر انشغال المواطنين مثل موضوع التعليم.
وكتبت صحيفة “شتوت غارتر ناخريشتن” في عددها الصادر اليوم انه سواء تعلق الامر باللجوء او الهجرة أو الاسلام، فغالبا ما كان شولتس يصرح “السيدة ميركل على حق”، مما يعكس تقارب وجهات النظر سياسيا بين المرشحين، غير ان ذلك حسب الصحيفة فوت على المنافس كسب نقاط في مبارزته.
واضافت الصحيفة ان المناظرة شكلت انعكاسا للحملة الانتخابية حيث ان الشريكين في التحالف الحكومي “يتملقان لبعضهما البعض”.
من جهتها، لاحظت صحيفة “لون بورغر لاندز تسايتونغ ” أن المستشارة الالمانية تفوقت عندما تمكنت من تفادي المواجهة”.
وقد تمحورت المناظرة حول قضايا اللجوء والهجرة والاسلام وانضمام تركيا للاتحاد الاوروبي فيما لم يتم التركيز كثيرا على القضايا الاقتصادية والاجتماعية.
وبخصوص موضوع الاسلام، قالت ميركل إن “الإسلام المتوافق مع الدستور جزء من ألمانيا”، مشيرة الى العدد الكبير من المسلمين الذين اندمجوا بشكل جيد في المجتمع الالماني.
وأعربت عن تفهمها للمتشككين مضيفة “أن ما سبب ذلك هو الإرهاب الممارس باسم الإسلام”،
من جانبه، قال شولتس إن الإسلام ديانة كبرى والمسلمون متدينون كالمسيحيين، مضيفا،”لكن هناك قلة تسىء للمسلمين”.
وفي ما يتعلق بملف اللاجئين، اعترفت ميركل بالفشل في الملف قبل موجة اللاجئين الكبرى في عام 2015، غير أنها اعتبرت أن الاتفاقية بين تركيا والاتحاد الأوروبي كانت الجواب المناسب على الأزمة ” الآن وكما في الماضي أرى أن الاتفاقية صحيحة بالمطلق”.
وهاجم شولتس سياسة ميركل في ملف اللجوء قائلاً “كان سيكون من الأفضل لو تم إشراك جيراننا الأوروبيين”، بيد أن ميركل دافعت عن نفسها قائلة “كنا في مواجهة وضع دراماتيكي”.
واعتبرت ميركل أن موجة اللاجئين “ليست خطراً بل تحد كبير”، مبرزة أن بلادها استفادت كثيراً من العولمة. ولكنها استدركت بأن ذلك “لا يعني أنه بإمكان أي شخص القدوم إلى ألمانيا”.
وشكل موضوع انضمام تركيا لعضوية الاتحاد الاروبي، لحظة قوية في المناظرة في ظل تزايد التوتر بين البلدين حيث اظهرت ميركل تغيرا واضحا في موقفها كان لصالحها معتبرة ان “تركيا يجب ان ألا تصبح عضوا في الاتحاد الأوروبي”.
وأضافت “بجانب ذلك، سأتحدث مع نظرائي لنرى إن كان بوسعنا التوصل إلى موقف مشترك في هذا الشأن حتى نستطيع إنهاء محادثات الانضمام هذه”.
وطالبت المستشارة الألمانية بزيادة التدابير الاقتصادية ضد تركيا، واتهمتها بأنها تبتعد بوتيرة متسارعة عن كافة العادات الديمقراطية، مضيفة أنه بالإمكان التفكير بتوجيه “تحذير أشد لمواطنينا من أجل عدم السفر إلى تركيا”.
من جانبه ، وعد شولتس – في حال فاز بالانتخابات وأصبح المستشار الألماني – بأن ينهي مفاوضات إنضمام تركيا الى الإتحاد الأوربي ، مؤكداً أن هذا لا يمكن في الوضع الحالي ، ولا يمكن تصدير الكراهية الى ألمانيا عن طريق الدين.
وحول ملف السياسة الخارجية وإغلاق الحدود الخارجية ، طالب شولتس بمراقبة الحدود وليس إغلاقها ، وأنه لابد من وجود قانون ينظم ذلك ، ولابد من وجود قانون أوروبي للهجرة ينظم ذلك إسوة بالولايات المتحدة وكندا.
وعقبت ميركل على إمكانية إغلاق الحدود الأوروبية ، قائلة ” لابد أن نضبط المسألة مع تركيا وليبيا ، وأن نبني اتفاقيات من الشراكة مع الدول الإفريقية في شأن الهجرة القانونية”.
وبخصوص الوضع الاقتصادي في ألمانيا وسوق العمل ، قال شولتس ” هناك 2 مليون عاطل وفرص العمل جزئية ، ورغم أن ألمانيا دولة غنية لكن ليس جميع المواطنين أغنياء ، والعدالة لابد أن تشمل معاش تقاعد وتحسين سياسة الاقتصاد”.
وعلقت ميركل بأن ملايين الألمان لا يستفيدون من النمو ، وقالت ” أنا سعيدة لأن البطالة تقلصت من 5 إلى 2 مليون ، ولكن بالنسبة للمعاش التعاقدي سيتم رفع سن المعاش إلى 67 عاماً”.
ومن جهة أخرى، وردا على انتقاد لشولتس بانها تنتهج الانتقائية في سياستها في مواضيع مثل الهجرة أو فضيحة الديزل، قالت إن التحديات دائما ما تختلف “وكل إنسان يتغير في مسار حياته”.
وبذلك، يكون شولتس قد فشل في الايقاع بمنافسته ميركل في مناظرة اعتبرت فرصته الاخيرة لاقناع الناخبين المترددين الذين كان يعول عليهم مما يضعه في موقع صعب، فهل سيواصل المعركة حتى اخر لحظة كما كان قد صرح متسلحا بايمانه القوي بامكانية فوزه؟