تعيش جنوب إفريقيا منذ العام 2015 أزمة اقتصادية خانقة فاقمتها معدلات البطالة المرتفعة، وهي وضعية جعلت المحللين لا يستبعدون تكرار السيناريو الفينزويلي في هذا البلد الذي يعد إحدى القوى الاقتصادية الكبرى في القارة الإفريقية.
فقد باتت البلاد، التي كانت ساكنتها من السود -الذين يشكلون الأغلبية- تعلق آمالا عريضة على غد أفضل قوامه الرخاء والمساواة في أعقاب نهاية نظام الميز العنصري، يتخبط أكثر فأكثر في وضع اقتصادي واجتماعي صعب.
ومن تجليات هذا الوضع ركود النمو الاقتصادي منذ الأزمة المالية العالمية لعام 2009، إذ يشهد البلد ركودا تقنيا منذ بداية العام الجاري بعدما سجل نموا سلبيا خلال فصلين متتابعين.
فإذا كانت مرحلة الركود قد انتهت فعلا بتحقيق نمو بنسبة 2,5 في المائة خلال الفصل الثاني من هذه السنة، فإن هذه النسبة بعيدة عن الــ 5 في المائة من النمو السنوي المتوقع في إطار الخطة الوطنية للتنمية الرامية إلى كبح جماح البطالة المتفشية وتخفيف حدة الفقر.
إلا أن الخطة، التي أعلن عنها المؤتمر الوطني الإفريقي الحاكم قبل سنوات وقدم في إطارها وعودا خلابة، لم تحقق ما كانت تنشده من نتائج. فحسب الإحصائيات الرسمية، تنتشر البطالة في صفوف 27,7 في المائة من الساكنة النشيطة، بل تصل النسبة إلى 60 في المائة لدى الشباب من السود في المناطق الفقيرة.
أما الفقر فيواصل منحاه التصاعدي، ضاربا أطنابه، وفقا لأحدث الإحصاءات، في صفوف حوالي نصف ساكنة البلاد، التي يبلغ تعدادها 60 مليون نسمة.
ويرى روب جيفري، مستشار بمكتب الدراسات “إيكونوميتريكس”، أن كل المؤشرات تشير إلى أن النمو سيواصل منحاه التنازلي في جنوب إفريقيا، مع وجود درجة عالية من خطر الركود، مضيفا أن ارتفاع البطالة في ظل الغموض السياسي يجعل الآفاق قاتمة في بلاد قوس قزح.
وأعرب المحلل الجنوب إفريقي عن أسفه لغياب أي تنسيق بين الحكومة والمقاولات العمومية والقطاع الخاص لدرأ خطر حدوث أسوأ السيناريوهات في البلاد.
ويسجل المحللون، في هذا السياق، أن وضعية الغموض السياسي الناجمة عن التصدعات التي تعصف بالحزب الحاكم قد أثرت بشدة في ثقة المستثمرين، ولا سيما الأجانب منهم. فقد شهدت الاستثمارات الأجنبية المباشرة، كما يؤكد خبير إيكونوميتريكس، تراجعا ملموسا في البلاد، التي كانت إلى عهد قريب إحدى الوجهات الجاذبة للاستثمارات بالقارة الإفريقية.
وهكذا باتت جنوب إفريقيا تحتل المركز 25، حسب مؤشر “كيرني” للاستثمارات الأجنبية المباشرة لعام 2016، بعدما كانت تحتل المرتبة الــ 11 من أصل 25 بلدا قبل 4 سنوات.
كما تراجعت البلاد في مؤشر البلدان الهشة لعام 2017. فبعد أن كانت مصنفة في فئة البلدان ذات الآفاق المستقرة، تراجعت إلى فئة “تحذير”.
وتبعا لذلك، كما يسجل المحلل روب جيفري، لم يكن مفاجئا أن تخفض وكالات التصنيف الائتماني الرئيسية (ستاندارد آند بورز وموديز وفيتش) التصنيف الائتماني السيادي لجنوب إفريقيا، مع توقع آفاق سلبية في البلاد.
ومن العوامل التي تسهم في تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي بالبلاد، حسب المحلل روب جيفري، معضلة الفساد الذي ينخر هرم الدولة. وفي هذا السياق، أشار وزير التنمية الاقتصادية الجنوب إفريقي، ابراهيم باتيل، مؤخرا إلى أن الفساد يكلف البلاد ما لا يقل عن 27 مليار راند (1 دولار = حوالي 13 راند) ويتسبب في فقدان 76 ألف منصب شغل.
وإلى جانب معضلة الفساد، يضيف المحلل، تبرز مسألة سوء إدارة المقاولات العمومية التي باتت تشكل عبئا ثقيلا على ميزانية الدولة.
ويرى المراقبون أن هذا المناخ الاقتصادي القاتم تؤطره سياسات وبرامج تهدد بشكل كبير مستقبل البلاد وتضفي عليه قدرا أكبر من الغموض. ومن تلك التوجهات الحرب الضروس التي تشن على “الرأسمالية البيضاء” عبر وضع سياسات اعتبرت شعبوية أو غير موثوقة، بما في ذلك استراتيجية الانتقال الجذري التي تقترح إعادة توزيع أراضي البيض على المزارعين السود.
وفي هذا السياق يرى جيفري أن الوقت قد حان لكي تتخلص جنوب إفريقيا من هذه السياسات المنافية للرأسمالية وتهيئ الظروف الملائمة لتحقيق نمو اقتصادي مضطرد ومستدام، وأنه ينبغي للبلاد أن تطمئن المستثمرين عبر سياسات فعالة تحظى بالإجماع.
وفي المقابل، يرى محللون آخرون أن احتمال تحقق السيناريو الفينزويلي في البلاد مستبعد بالرغم من المشكلات السياسية والاقتصادية العميقة التي تعصف بأمة قوس قزح.
فخلافا لبلد هيغو تشافيز، يتميز اقتصاد جنوب إفريقيا بتنوعه وبمتانة القطاع المالي وشفافيته، فضلا عن البنيات التحتية الحديثة التي تشكل عماد انتعاش اقتصادي يمكن تحقيقه دون كبير صعوبات.