قال المندوب السامي للمياه والغابات ومحاربة التصحر، عبد العظيم الحافي، إن المغرب كان سباقا إلى وضع مناهج للتكيف مع التغيرات المناخية، ما بوأه مركز الريادة على صعيد ضفتي منطقة البحر الأبيض المتوسط من حيث النتائج المحققة.
وأبرز الحافي، في حديث خص به وكالة المغرب العربي للأنباء، أن من أمثلة هذه المناهج التي أملاها تواتر الأحداث المناخية القصوى مثل الفيضانات والجفاف ما يتعلق بمحاربة الحرائق، حيث وضعت المملكة نمطا لمراقبة هذه الظاهرة البيئية جعلها رائدة على صعيد المنطقة المتوسطية برمتها، محققة نتائج مهمة في هذا المجال.
وأوضح المندوب السامي للمياه والغابات ومحاربة التصحر، في هذا الصدد، أن سنة 2017 التي يشرف موسم الحرائق فيها على نهايته سجلت نتائج أفضل من السنة الماضية بفضل هذه المناهج وبفضل نجاعة تدخل مختلف الفرق المعنية، بل وبات عدد من الدول يستعين بتجربة المغرب في هذا المجال.
وفي هذا السياق، شدد الحافي على أن “ما يتمتع به المغرب من باع طويل في هذا الميدان والتعاون جنوب-جنوب الذي انخرطت فيه المملكة منذ سنوات جعل العديد من الدول تلتمس الاستفادة من الخبرة المغربية”، مشيرا إلى أن المندوبية وفرت الخبراء المغاربة في كل ما يتعلق بمحاربة الحرائق في كوستاريكا.
كما أن المغرب، يضيف المندوب السامي، منخرط في تعاون فعال في هذا المجال مع الولايات المتحدة المعرضة بدورها للحرائق، خاصة في المناطق الغربية منها، مذكرا بأن خبراء أمريكيين حلوا بالمغرب في شهر ماي الماضي لبحث سبل العمل المشترك وتبادل التجارب والخبرات.
من جهة أخرى، أكد الحافي أن المغرب بذل جهودا جبارة في مجال التنوع البيولوجي الذي يسجل مؤشرات مقلقة على الصعيد العالمي بالنظر إلى التراجع المهول في الأصناف النباتية والحيوانية المرتبطة بالمناطق الرطبة التي تشهد بدورها تراجعا ملحوظا.
وهكذا تم جرد المواقع ذات الأهمية البيولوجية والإيكولوجية، وعددها 154، تمتد على حوالي مليونين ونصف مليون هكتار على الصعيد الوطني. كما جرى في السنوات الماضية تعزيز الترسانة القانونية، حيث أرسي في 2006-2005 التشريع المتعلق بقطاع القنص بتحديد الأصناف الممكن قنصها بدون أن يكون هناك تراجع في الأصناف الحيوانية، فيما شهد عام 2010 إصدار قانون المجالات المحمية، وهو “قانون مهم جدا” يحدد أصناف هذه المواقع حسب تعريف الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة، ثم قانون الاتجار في الأصناف النباتية المهددة بالانقراض، الذي صدر عاما بعد ذلك.
وأشار إلى أن المغرب يتوفر حاليا على 25 من المناطق الرطبة مصنفة بأهمية عالمية في إطار اتفاقية رامسار للمناطق الرطبة، مقابل 5 فقط قبل سنة 2000، وي توقع أن يرتفع العدد إلى 60 في إطار مخطط العشرية 2024-2015، مسجلا أن المغرب يتموقع في مرتبة مهمة جدا بالنسبة لمرور الطيور المهاجرة من الشمال إلى الجنوب والعكس، بالنظر إلى أن محاور هجرة الطيور مؤشر على صحة النظم البيئية بالمناطق الرطبة.
يضاف إلى ذلك، حسب السيد الحافي، العمل الميداني الفعال، حيث أصبحت 10 محميات من هذه المواقع الإيكولوجية والبيولوجية تتوفر على تصميم لتدبير محكم لهذه المجالات، جعل المغرب يتوفر، على سبيل المثال، على أكبر رصيد دولي لأصناف الغزال، بحوالي 450 صنفا، انقرض كثير منها عبر العالم.
“هذا التصور جعل التنوع البيولوجي يتجدد ويسترجع نف سه في المغرب، ولكن يبقى من اللازم ضمان التصدي للأسباب التي أدت إلى هذا الوضع، وعلى رأسها العنصر البشري ممثلا في الصيد العشوائي، مما يتطلب تنظيم حملات تحسيس واسعة النطاق على الصعيد المحلي”، يسجل السيد الحافي.
وأبرز المندوب السامي أيضا أن المملكة تمكنت من عكس منحى التراجع الذي كان يشهده المجال الغابوي قبل سنة 2000، حيث كان يفقد حوالي 1 في المائة من مساحته، وذلك عبر عملية التشجير التي انتقلت وتيرتها من 15 ألف هكتار سنويا قبل سنة 2000 إلى ما بين 45 ألف و46 ألف هكتار سنويا.
وأوضح، في هذا الإطار، أن إعادة تأهيل المجال الغابوي تقوم على مقاربة تشاركية، بعيدا عن منطق المقاربات التقنية العلمية المحضة، إذ يتم إشراك الساكنة المحلية عبر تأسيس التعاونيات لخلق أنشطة مدرة للدخل تضمن تبني هذه المشاريع والعمل بصفة تشاركية في إطار الاقتصاد الاجتماعي، وذلك بتنسيق مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية والمقاربات المحلية الأخرى.
وبخصوص مشاركة المندوبية في مؤتمر الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (كوب 23) الذي ستحتضنه مدينة بون الألمانية في شهر نونبر المقبل، قال السيد الحافي إن المندوبية ستقيم جناحا يعكس تقدم وتطور المناطق المحمية في إطار تعاون المندوبية مع منظمة اليونيسكو الذي تمخض عن وضع شبكة للمناطق المحمية، خاصة في مجال البحر الأبيض المتوسط والشرق الأدنى، إلى جانب قضايا التغيرات المناخية والأصناف النباتية والحيوانية والتغيرات المناخية والحفاظ على المواقع الإيكولوجية والبيولوجية والتغيرات المناخية في الشق المتعلق بالتوعية والتحسيس البيئي والإيكولوجي.
ويتمثل الشق الثاني من هذه القضايا في التغيرات المناخية وميدان التكيف في مجال الحرائق في ضوء ما اكتسبه المغرب من خبرة في هذا المجال.
وسوف يكون هذا المحفل الدولي، يضيف السيد الحافي، مناسبة لعرض التدابير المتخذة في مجال تدبير الأحداث البيئية القصوى وتدبير الأحواض المائية والحفاظ على الموارد المائية في مصدرها، أخذا في الاعتبار التوقعات التي تشير إلى احتمال انخفاض التساقطات المطرية بنسبة تتراوح بين 18 و25 في المائة في السنوات القادمة، “مما يستدعي تدبيرا محكما للموارد المائية الآخذة في التناقص”.
وسوف يعرض المغرب أيضا، باعتباره رئيسا لمرصد الساحل والصحراء الذي يضم 22 دولة وأكثر من 12 منظمة جهوية من شمال إفريقيا وإفريقيا جنوب الصحراء، مبادرات “مهمة جدا”، وخاصة مبادرة “مخطط العمل للاستدامة والاستقرار والأمن بإفريقيا” التي أطلقت خلال قمة كوب 22 التي انعقدت بمراكش في شهر نونبر الماضي.