إن مفهوم الحكامة “la Gouvernance ” يندرج، من جهة، ضمن شبكة مفاهيمية لكونه يرتبط ارتباطا عميقا بمجموعة من المفاهيم من قبيل : (مفهوم التنمية، مفهوم المجتمع المدني، مفهوم المواطنة، مفهوم دولة الحق والقانون…)، ومن جهة ثانية، فإن لهذا المفهوم سيرورة تاريخية خاصة به، حيث ارتبط بكيفية إدارة الدول والحكومات للشأن العام. لذلك أصبح لفظ حكامة Gouvernance، يفيد معنى الرقابة والتوصية والتدبير، وأصبح منظرو الليبرالية الجديدة يلحون على أن المقصود بالحكامة هو الجمع بين الرقابة من الأعلى، الدولة، والرقابة من الأسفل، المجتمع المدني.
ويعرف الدارسون والخبراء والمختصون هذا المفهوم بأنه تعبير عن ممارسة السلطة السياسية وإدارتها لشؤون المجتمع وموارده المادية والمالية والبشرية الخ. ولكن تجدر الإشارة، في هذا الصدد، إلى أن هذا التعريف قديم؛ لأنه يركز ويدل فقط على آليات ومؤسسات تشترك في صنع القرار، الشيء الذي جعل هدا التعريف يطرأ عليه تطور بحيث أصبح مفهوم الحكامة يعني حكم تقوم به قيادات سياسية منتخبة وأطر إدارية كفأة لتحسين نوعية حياة المواطنين وتحقيق رفاهيتهم، وذلك برضاه
م وعبر مشاركتهم ودعمهم[1].
أما المقصود بالحكامة الجيدة، فهي تلك الأداة التي يمكن بواسطتها ضبط وتوجيه وتفسير التوجهات الاستراتيجية الكبرى التي تطال الجوانب الاقتصادية والمؤسساتية ومختلف البنى الاجتماعية والثقافية والفكرية وغيرها. هكذا إذن، نلاحظ كيف أن الحكامة الجيدة تروم مسايرة التطورات والتحولات التي تطال مؤسسات الدولة ومؤسسات المجتمع المدني، والعمل على إقرار أساليب جديدة في التدبير والتسيير تساعد على تذويب الحدود وكافة أشكال التقاطع والاختلاف السلبي بين مختلف مكونات المجتمع : (القطاع العام، القطاع الخاص، المجتمع المدني…).كما أنها تتوخى تطبيق أشكال التنظيم الجديد على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي والوطني.، دون إغفال البعد الدولي والعالمي، بالإضافة إلى البحث عن العلاقات بين مختلف المجالات القائمة، ووضع تراتبية جديدة بين مختلف القطاعات لتجاوز الاختلاف في التوجهات والرؤى في ظل التحديات الجديدة والمستقبلية التي أصبح يفرضها نظام العولمة.كما أن الحكامة الجيدة هي أيضا أداة وصفية تحليلية واستشرافية تتوخى تقديم الحلول القابلة للتطبيق لمختلف الإشكاليات الآنية والمستقبلية، الظرفية منها والدائمة. كما أن الحكامة الجيدة تستلزم نهج معايير محددة ذات أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية وإدارية تلتزم بها الدولة بمختلف مكوناتها، أبرزها : (حسن التدبير، الإشراك والتشارك، التوافق، تحسين جودة الخدمات، التواصل والرؤية الاستراتيجية…).
ونود أن نشير في هذا السياق، إلى أن الحكامة الجيدة تسري على :
* الدولة باعتبارها الناظم الأول لمبادئ الأفراد والجماعات والمرجعية السياسية والقانونية .
عن موقع : فاس نيوز ميديا