القانون فوق الجميع مادام لم يطبق علي
القانون فوق الجميع نكادُ نسمعها أكثر من أسمائنا في اليوم الواحد عبر الإدارات العمومية، عبر الشركات الخاصة، عبر وسائل الإعلام بإختلاف أنواعها بيـــن السمعي و البصري، عبر وسائل التواصل الاجتمـــاعي و أيضا في الجامعــات و المؤسسات التعليمية الابتدائية و الاعدادية و حتى الثانويات منها،بالاضافة إلى الشارع و في وسائل النقل في البيت و حتى الأماكن ذات الطابع الديني، لأن الجميع يؤمن أن القانون فوق الجميع و يجب أن يطبق على الفقير و الغني، على القوي و الضعيف على قدم من المساواة بينهم، و لا أساس لحكم دون ديمقراطية و لا وجود لدمقراطية في غياب التطبيق الفعلي للقانون و جعل الكل فيه سواسية، هي مقدمة لكلمة كلما ذُكرت أتسائل هل حقا القانون فوق الجميع؟ و هل نزعتنا البشرية تقبل تطبيق القانون على أنفسنا؟ و هل من يسهر على تطبيق القانون له القدرة على تطبيقه على نفسه أو على الاقل جعل الناس أمام القانون سواسية؟تعتمد كل دولة على تسيير شؤونها الداخلية و علاقاتها الخارجية وفقا لقوانين تتنوع من دولة لاخرى، و على سبيل المثال نجدالقوانيــن الجنائيـــة و القوانين الوضعيــة و القوانين التنظيمية و القوانين الدستوريةو غيرها من القوانين سواء العامة أو الخاصة، و السهر على سيرُورتها و تطبيقها يعني السير العادي للحياة اليومية، و توحي لنا أن القانون فوق الجميع و ليس ملكا لأحد، لحدود هذا السطر الأمر جيد، لكن الغريب في الامر هو تلك النزعة التي اصبحنا نتخلق بها نحن بني البشر كلما تم الاحتكاك بالقانون و تطبيقه فإذا كان القانون في صفنا ننادي بالقانون فوق الجميـــع، و إذا ما حدث العكس نقول أن القانون مجحف في حقنا بل الأكثر من هذا نسعى جاهدين لعدم تطبيقه علينا بجــل الوسائل المتاحة المشروعـــة منــها و الغير مشروعة، وهذا ما يفســر انتشار الرشـــوى بشكــل كبير و الفســاد الإداري و المالي، و الكل يلوم الكــل عن طــريق لوم الآخــر و ينــسى أو يتناسى الأصــل و الحقيقة،هو فقط تلميح بسيط لجملة من الممارسات التي من الواجب على الفردالعادي قبل المسير أن يحترمه، “لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها” هذا مما قاله رسول الاسلام عليه الصلاة و السلام و هذا مما يدل على أن سيادة القانون لا تفرق بين هذا و ذاك، بل هو فيه الكل ســـواء، و من أهم الامثلة البسيطة التي ستظهر لنا أننا كلما طبق علينا القانون لا يعجبنا الأمر، و نفضل أن نمنح الرشاوي على أن يطبق القانون أو من على الأقل إحترام القانون من الأصل، فمثالنا بسيط “سائق سيارة تجاوز في خط متصل رصده الشرطي طبق عليه القانون فأكيد لن يعجبه الأمر، لكن إذا ما تجازه سائق أخر يقول أن الشرطة لا تقوم بواجبها ويطلق العنان للسانه”، ومن هنا نصبح في مبدأ حلال لنا و حرام عليهــم، و قـس على ذلـك مجموعـة من الممارسات الاخــرى و العديدة.ان إلتزام و احترام القانون لا يحتاج الى التنظير بشكل كبير و مطول أكثر من أنه يحتاج الى توعية لكل المكونات داخل المجتمع الواحد وطمس بعض الممارسات المتداولة من قبيل واضع القانون أول خارقيه، و عدم إلقاء اللوم على الاخرين في تطبق القانون بل وضع تساؤل جوهري من في مصلحته عدم تطبيق القانون هل المسؤول أم المواطن، من وجهة نظري الخاصة فإن المواطن هو أكثر من بمصلحته عدم تطبيق القانون بكل حذافيره، وهذا راجع الى أن الكل يبحث عن الهروب من المساطير التي يمكن أن تأخد مدة طويلة في حين بتجاوز الفرد للقانون يمكن أن تصبح المدة أقل بالنصف أو أقل من ذلك، و هذا مثال بسيط لأوضح أن من يفتح مجموعة من أبواب الفساد في المنظومة القانونية هو الموطن نفسه الذي يطلق على نفسه مواطن بسيط أومغلوب عن أمره. وهذه بعض مواقف تطبيق القانون عبر التاريخ:-• في موقف للأمير عثمان غازي إبن أرطغرل خلال توليه ولاية القضاء، وخلال فصله بين بزنطي نصراني ومسلم تركي وحين كان الكل ينتظر أن يرجح الأمير كفة المسلم على النصراني وقع العكس و حكم بالعدل لصالح البزنطي فلما سئل من طرف النصراني و لمح على أن ما كان متوقعا من الأمير أن يرجح كفة المسلم عليه ولو كان ظالما، فكان جواب الأمير عثمان كيف لا أحكم لصالحك و من نعبده يأمرونا بالعدل وتلى عليه الاية التالية “إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل”. فما كان من النصراني إلا أن أسلم هو وقومه لرُأيتهم لعدالة الاسلام.
• موقف القاضي صاري خضر جلبي و حكمه بقطع يد الخليفة العثماني محمد الفاتح لما قطع يد معماري رومي حينما خالف أوامر السلطان، و في لحظة غضب قطع السلطان يد المعماري فماكان من الرومي إلا أن توجه الى القاضي ليحكم بينه و بين السلطان محمد الفاتح ويقتص من ظلم السلطان له ، و في مجلس المحاكمة كان المعماري الرومي يقف كثفا لكثف مع فاتح القسطنطينية محمد الفاتح أمام القاضي و الكل ينتظر من القاضي أن يحكم بتعويض له في أقصى الحالات بعد اعتراف محمد الفاتح بصدق دعوة الرومي، فصدم الجميع بحكم القاضي الذي أمر بقطع يد السلطان تنفيذا لحكم القصاص كما جاء في الشريعة الاسلامية، فلم يتمالك الرومي نفسه و أجهش بالبكاء و تنازل عن الدعوة وقال يكفينا عدل الاسلام حتى في فاتح القسطنطينية و تنازل عن شكواه، لكن رغم التنازل خصص له محمد الفاتح تعويضا يمنحُ له من ماله الخاص كل يوم لضمان لقمة عيشه، هنا تجلت مقولة القانون فوق الجميع رغم كون المظلوم رومي بسيط و الظالم حاكم تخافه انذاك كل الدنيا.
• أما الموقف الاخير فهو من قدوتنا رسول الله عليه السلام ، بعد خطبة بالصلاة الجامعة اختتمها عليه الصلاة و السلام بقوله أنا أنشِدكم بالله وبحقي عليكم من كانت له ِقبَلي مظلمة فليقم فليقتص مني ، فلم يقم أحد إليه فهو رسول الله، فناشدهم مرة ثانية فلم يقم أحد، ثم قال يا معاشر المسلمين أنشِدكم بالله وبحقي عليكم من كانت له قِبَلي مظلمة فليقم فليقتص مني قبل القصاص في يوم القيامة، فقام من بين المسلمين شيخ كبير يقال له عكاشة فتخطى الكل حتى وصل الى النبي فقال فداك أبي و أمي لولا أن ناشدتنا مرات ما كنت بالذي يقدم على شيء ، فقال عكاشة كنت معك في غزوة فلما فتح الله عز وجل علينا ونصر نبيه صلى الله عليه وسلم, كنا في الإنصراف فحادت ناقتي ناقتك فنزلت عن الناقة ودنوت منك لأقبل فخذك فرفعت القضيب فضربت خاصرتي , ولا أدري أكان عمدا منك أم أردت ضرب الناقة فقال رسول الله أعيذك بجلاله أن يكون عمدا، فطلب رسول الله من بلال ان ياتيه بذات القضيب و سلمه للشيخ ليقتص منه حقه رغم أن حفيديه و الصحابة طلبوا أن يفدوه و أن يقتص منهم فرفض و طلب أن يقتص من الرسول عليه السلام فكشف رسول الله عن بطنه ليقتص منه عكاشة فلـــــــــم يكن من عكاشة الا أن ارتمى على بطنــــــه الشريــــــــــــف و قبَلها و هو يقول فداك أمي و أبي يارسول الله، موقف عدل و تتجلى فيه القانون فوق الجميع، خصلة لرسول الله عليه السلام فمن أنتم لتكونوا فوق القانون.بكل الأحوال لم ولن يختلف إثنان على أن احترام القوانين يجب أن يكون نابعاً من قناعات داخلية في كل فرد بالمجتمع و ليس خوفامن عقوبة زجرية أومن ملامة تصيبنا، بحيث لا يجوز أن يكون في المجتمع قوانين حضارية ومتقدمة مثلاً، لكنها مخترقة وغير مطبقة من قبل الآخرين، والقناعة ترتبط بالضرورة بتغليظ العقوبات كي تكون رادعة ومؤثرة في ظل التأكيد على أهمية الوعي وضرورته، ما يعني بكل بساطة ووضوح أننا نحترم القانون عندما نلتزم به و نلزم أنفسنا به.
الكاتب: عبد الاله رشقي
عن موقع : فاس نيوز ميديا