واشنطن- في الوقت الذي يطرح فيه الشعب الجزائري تساؤلات مشروعة حول مستقبله، بعدما أنهكه عدم الاستقرار السياسي والسوسيو اقتصادي الذي عانى منه لعقود، والفراغ في هرم السلطة بالبلد، وحروب التموقعات المستعرة بين مختلف مراكز النفوذ، انبرى وزير الخارجية الجزائري عبد القادر مساهل في محاولة بئيسة لتحويل الأنظار عن هذه الحقائق، إلى التلفظ بكلام خطير وغير مسؤول تجاه المغرب وسياسته الإفريقية، معبرا بذلك عن مركب النقص المستحكم في دواليب النظام الجزائري تجاه المملكة، واستقرارها السياسي وتاريخها التليد وعلاقاتها المتجذرة مع القارة الافريقية.
لقد بدت حقيقة الإفلاس الإيديولوجي للنظام الجزائري عارية في هذا السياق المطبوع بهشاشة مؤسساتية على الساحة الإفريقية، واندحار صارخ أقر به الوزير الجزائري عبد المالك سلال، الذي خلص بمناسبة انعقاد المنتدى الإفريقي للاستثمار في الجزائر في دجنبر الماضي،الى هزالة المبادلات التجارية للجزائر مع البلدان الإفريقية، في الوقت الذي يعزز فيه المغرب حضوره المتعدد الأوجه على امتداد القارة ودون أي تمييز جغرافي.
ولقد أجج تنزيل الاستراتيجية المغربية في إفريقيا حالة السعار التي أصابت المسؤولين بهذا البلد، والذين لم يعودوا قادرين على إخفاء خلافاتهم بخصوص أفول التأثير الجزائري بالقارة الإفريقية كما يشهد بذلك الفشل الذريع للمنتدى الإفريقي للاستثمار.
وقد وصمت الصحافة الجزائرية بجرعة غير معهودة من الوضوح والرصانة، هذا اللقاء ب “الفشل الذريع”، بعدما اختار الوزير الأول الجزائري مغادرة القاعة بعيد إلقاء خطابه “على خلفية توترات بين أعضاء الحكومة ورئيس المنتدى وأرباب المقاولات”.
وبانحداره إلى هذا الأسلوب المنحط من ” الادعاءات الملفقة”، يضع مساهل نفسه في موقف لا يحسد عليه، إذ أن التمدد الأفريقي المتعدد التجليات للمغرب على مستوى القارة، يجري في ظل تقلده “الحقيبة” الدبلوماسية لبلده، وهو يدرك تمام الإدراك أن أولياء نعمته لن يمهلوه طويلا لاسيما إذا ماتمت عملية انضمام المغرب إلى المجموعة الاقتصادية لبلدان غرب إفريقيا (سيدياو) وذلك في إطار مسعى طبيعي يتوج العلاقات البناءة القائمة بين المملكة وهذا التجمع الإقليمي.
فبعد عودة المغرب المظفرة الى كنف الاتحاد الافريقي، أسرته المؤسسية، انتبه النظام الجزائري إلى أن مجال ت نفوذه بالقارة يتبخر، وهو الأمر الذي أصاب عبد القادر مساهل بحمى الهذيان، في الوقت الذي تتجرع فيه الجزائر آثار ظرفية اقتصادية ومالية جد قاسية جراء تراجع عائدات الريع النفطي الذي سيواصل، حسب توقعات البنك الدولي، مفاقمة عجز ميزانية الدولة الجزائرية سنة 2017، مع استفحال نسبة التضخم والبطالة وانخفاض قيمة الدينار الذي فقد 20 بالمائة من قيمته.
ويرى المراقبون في الولايات المتحدة الأمريكية أن انهيار أسعار المحروقات ليس الضرر الوحيد الذي تعاني منه الجزائر، موضحين أن الإنتاج الإجمالي للنفط والغاز سجل تراجعا فعليا منذ سنة 2006 ، فضلا عن ركود الاحتياطيات والارتفاع المسجل في حجم الاستهلاك الداخلي، وهي عوامل قلصت الحجم الإجمالي لصادرات المحروقات.
وفي دراسة تحليلية بعنوان” الممارسة البالية، الخطيرة للنظام الجزائري” نشرها مركز كارينغي للسلام الدولي ، أكدت مديرة قسم الشرق الأوسط وإفريقيا بالمعهد الألماني للشؤون الأمنية الدولية، أيزابيل ويرينفيلز، أن هذه الوضعية الخطيرة “تدفع الجزائر نحو تقهقر خطر”، مؤكدة أنه في هذا السياق ” تنتفي أية آفاق للإصلاح” على قاعدة الانقسامات العميقة التي تنخر الطبقة السياسية ومراكز القرار في الجزائر.
وسجلت الباحثة أن ساكنة الجزائر “قلقة بخصوص الاستقرار، وتخشى عودة العنف الذي شهدته البلاد سنوات التسعينات”، مضيفة أن التحديات التي تواجهها الجزائر تتعلق ب” النزاعات الإثنية وعدم الاستقرار الاجتماعي مرورا بالتهديدات الأمنية(…) وتقلبات سوق المحروقات الدولية. وهي عوامل من بين أخرى، تمثل خطرا متزايدا على سياسة الحكومة القائمة على شراء الولاءات من أجل إخماد الاحتقان الاجتماعي”.
من جهتها، أشارت (نيويورك تايمز) إلى المناخ السياسي المتسم ب “الاحباط” و”السخط” الشعبي في الجزائر ، وكذا شبح البطالة الذي يطال أزيد من 30 بالمائة.
إن الإفلاس العقائدي للنظام الجزائري يدفع هذا النظام الى تشديد الطوق على الشعب الجزائري لاقتناعه الراسخ بأن الإنفتاح سيكون وبالا عليه. كما أن بؤس وتخلف سياسته الإفريقية يعكسان وضعية نظام متصدع، غارق في تناقضاته.
وعطفا على ما سبق، فإن الضبابية والغموض الذي يلف وضع المؤسسات وخاصة بالنسبة لهرم السلطة في الدولة، إضافة إلى عدم تجديد الطبقة السياسية، يولد شبح انتقال عشوائي بين الأجيال السياسية، غير مضمون العواقب.
فمنذ الاستقلال يتبجح النظام الجزائري بإنشاء مركب نفطي لم يتبق منه اليوم سوى شطط الزبونية الجشعة التي تخيم على سوناطراك، فيما لايزال “مركب” النقص الذي يشعر به النظام الجزائري تجاه المغرب مستحكما إلى يومنا هذا.
وقد أكدت المؤسسة الأمريكية “ستريتفور” المتخصصة في الاستشرافات الجيوسياسية والذكاء الاقتصادي، في دراسة تحليلية حديثة لها أن ” إعادة بناء قطاع الطاقة يهدد مصالح شبكات الزبونية التي نسجت حول سوناطراك” مشيرة إلى أنه في الوقت الذي تسعى فيه الجزائر إلى تحديث القطاع الطاقي، حرص مسؤولون جزائريون كبار على أن لا تمس الإصلاحات ولوجهم إلى خزائن الدولة”.
وأكدت ستريتفور أن “هذه المعمعة تعد مصدر إزعاج للنظام الجزائري، لاسيما أن المغرب برز كنموذج يحتذى به للشراكة بين القطاعين العام والخاص في إنجاز مشاريع البنيات التحتية”.
بقلم: فؤاد عارف (و.م.ع)
عن موقع : فاس نيوز ميديا