“كافي توبا” مشروب قهوة يحظى بشعبية منقطعة النظير بالسنغال، حيث اكتسب بفضل الشيخ أحمدو بمبا، مؤسس الطريقة المريدية، بعدا “روحيا”، قبل أن يصبح، مع مرور الوقت، حلا يساهم في محاربة بطالة مئات الشباب بهذا البلد.
ويتكون مسحوق “كافي توبا” التي تحمل هذا الاسم نسبة إلى مدينة توبا (194 كلم شرق دكار)، المهد الروحي للطريقة المريدية التي يعد أتباعها بالملايين، من البن مضافا إليه فلفل أسود يحمل محليا اسم “جار”.
وحسب ما يروي أتباع الطريقة، فإن الشيخ أحمدو بمبا (توفي سنة 1927)، جلب القهوة من منفاه بالغابون سنة 1902م، بعدما لاحظ دورها في منح الطاقة للبدن بما يساعد على القيام بأعمال الخير وممارسة الشعائر الدينية.
ومع مرور السنوات، أصبح حجم استيراد القهوة إلى السنغال من كوت ديفوار والغابون يتنامى مع تزايد الإقبال على استهلاك هذا المشروب الذي أصبح عنصرا ضروريا في المناسبات الدينية للطريقة المريدية في بداية الأمر، ليصبح في ما بعد سيد المشروبات لدى مجموع ساكنة البلاد.
وفي ركن ركين على مستوى المركز التجاري “توبا ساندغا” بالعاصمة دكار، دأب الشاب باب موسى وعدد من رفاقه منذ مطلع شهر صفر الخير الجاري، منتظمون في إطار مجموعة تابعة للطريقة المريدية تحمل اسم “دائرة 18 صفر” نسبة إلى تاريخ عودة الشيخ المؤسس من المنفى (1320 هـ، 1902م)، على تحضير مشروب “كافي توبا” بكميات وافرة. “إذا كان لكل شعب مشروب خاص يميزه عن بقية الشعوب.. فإن “كافي توبا” هي مشروبنا الوطني بامتياز” يقول موسى في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء.
وبلباس “تي شورت” أبيض موحد طبعت عليه صورة للشيخ أحمدو بمبا، واسم “دائرة 18 صفر” يجوب موسى و15 من رفاقه أزقة سوق ساندغا، القلب النابض للحركة التجارية بدكار، حاملين أباريق كبيرة وكؤوسا يصبون فيها مشروب القهوة ذي الرائحة النفاذة لمن شاء من رواد السوق مجانا.
ويقول أحد أفراد الدائرة، في تصريح مماثل، وهو بصدد تحضير قهوة توبا بمساعدة زميل له، إن ما نقوم به يشكل وجها من أعمال الخير التي نصحنا بها شيخنا أحمدو بمبا لشكر الله على عودته من المنفى.
ويضيف “نوزع حوالي 700 كوب من “كافي توبا” يوميا على رواد السوق، وذلك منذ مطلع شهر صفر إلى غاية الثامن عشر منه، تاريخ تنظيم “مغال توبا”، التجمع الروحي الكبير الذي يحتفي فيه مئات الآلاف من مريدي وأتباع الطريقة المريدية بذكرى عودة مؤسس الطريقة من المنفى”.
ويتناقل أتباع الطريقة المريدية عن الشيخ أحمدو بامبا في هذا الصدد، قوله إن من يستهلك “كافي توبا” بنية البقاء يقظا واستمداد الطاقة وخدمة طريق الله فإنه يكتسب بذلك أجرا، ذلك أن النية تجعل من العادات عبادات. كما يتناقلون عنه قوله إنه يفضل تلاوة سورة الفاتحة ومقدمة سورة البقرة أثناء تحضير هذا المشروب.
وما من شك أن “البركة” التي باتت لصيقة بـ”كافي توبا” بفضل الشيخ أحمدو بمبا، قد ساهمت بشكل كبير في الرفع من استهلاك هذا المشروب عبر مجموع السنغال، الذي تنزع غالبية سكانه منزعا صوفيا خالصا، ليصبح بالتالي ذا بعد اقتصادي مهم يتمثل في مساهمته في محاربة البطالة، ولاسيما في صفوف الشباب.
وبالفعل، فإن المئات من الشباب السنغاليين جعلوا من تحضير “كافي توبا” وبيعها تجارة رابحة بالنظر إلى الإقبال الكبير على استهلاكها، إذ تتحدث الأرقام عن استهلاك بنسبة 70 في المائة في صفوف السنغاليين.
وتكفي جولة قصيرة في الشوارع الرئيسية للعاصمة دكار وأحيائها الشعبية مثلا، ليكتشف المرء العدد الكبير للشباب الذي يجوبونها وهم يحملون قدور القهوة الساخنة وعلب السكر والكؤوس البلاستيكية، في سعي وراء تحصيل الرزق.
ومن ضمن هؤلاء الشباب، هناك الفتى عليون (26 سنة)، الذي بدأ هذه التجارة منذ خمس سنوات، فساعدته في تحقيق “الكفاف والعفاف والغنى عن الناس”.
على طول كورنيش دكار، وفي أزقة حي “ميدينا” الشعبي، يقضي عليون يومه جيئة وذهابا تحت شمس النهار يعرض قهوته “بثمن بخس لذة للشاربين”. قدر معدني كبير مثبت بشكل جيد فوق مجمر يضمن الحفاظ على القهوة ساخنة، وعلبة من السكر وكؤوس بلاستيكية، هي كل عدة عليون في تجارته.
“أبدأ يومي على السادسة صباحا، أحضر قدرا من عشر لترات من كافي توبا يوميا”، يقول عليون في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، مضيفا أن “سعر الكوب الواحد يبلغ 50 فرنكا إفريقيا، وأن المدخول يتراوح ما بين 3 آلاف إلى 4 آلاف فرنك إفريقي (حوالي 6 أورو) يوميا”. وحسب عليون، فإن هذا المدخول يكفيه لتلبية حاجياته وحاجيات أسرته الصغيرة.
وعلى مقربة من موقع لبيع التذكارات الإفريقية بشارع اندري بيتافان، وسط العاصمة، جلس الشاب مامادو وعدد من رفاقه يتجاذبون أطراف الحديث مع سائح فرنسي حول “كافي توبا” وقصتها، وكيف أصبحت “المشروب الوطني” بالبلاد، فيما كان أحد باعة هذا المشروب يصب لهم أكوابا منه، ويحث السائح على تذوقه.
15 دقيقة فقط هي مدة الحديث الذي جمع الطرفين حول “كافي توبا”، وهي المدة التي مر خلالها من أمامهم بشكل متفرق أربعة شباب يحملون بدورهم أباريق “كافي توبا” وكؤوسهم البلاستيكية، في مؤشر على العدد المهم للشباب الذين يكسبون قوت يومهم من بيع هذا المشروب، في ظل غياب أرقام رسمية بهذا الخصوص.
وتجدر الإشارة إلى أن الإقبال الكبير على مشروب “كافي توبا” لا يعود بالنفع على من يبيعه ساخنا فحسب، بل إن المنفعة تطال كل الفاعلين في سلسة استيراد البن وتحضير مسحوقها وتعبئته وبيعه بالجملة أو بالتقسيط.
هكذا إذن، تظل “كافي توبا” مشروب السنغاليين المفضل، ترافقهم في مناسباتهم، وتؤنسهم في مسامراتهم، وتنعش لهم تجاراتهم، وتحتفي معهم كل حين بذكرى الشيخ أحمدو بمبا الذي جلبها للسنغال أول مرة، وبذكرى مدينتهم الروحية “توبا” التي سيتقاطر عليها قبيل 18 صفر الجاري (8 نونبر الجاري) الآلاف منهم إحياء ل”مغال توبا”، أضخم موسم ديني وروحي سنوي في السنغال وغرب إفريقيا.