أكد حكيم بن شماش رئيس مجلس المستشارين، اليوم الثلاثاء بالرباط، أن التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تستدعي الانخراط في تفكير جماعي من أجل خلق دينامية اقتصادية، مع ما يستوجبه ذلك من إصلاحات سياسية واقتصادية ناجعة.
وأوضح بن شماش في كلمة بمناسبة افتتاح الاجتماع الثاني لفرع الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للشبكة البرلمانية عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، أن نجاح أي تحول سياسي وديمقراطي في بلدان المنطقة مشروط بتحقيق التقدم والرفاه الاقتصادي والاجتماعي بشكل يستجيب لتطلعات الشعوب .
واعتبر أن هذا الاجتماع، الذي ركز على مناقشة الحكامة والإصلاح الاقتصادي والتعليم والهجرة،يشكل فضاء للحوار وفرصة للتبادل بين البرلمانيين في المنطقة وخبراء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، حول رهانات التنمية المشتركة، وإطارا لتبادل الخبرات والمعارف حول الممارسات الفضلى للبرلمانات في مواجهة التحديات والمشاكل التي تعترض بلدان المنطقة في مختلف مجالات التنمية.
وأشار بن شماش إلى أن المشاكل المرتبطة بالتربية والتعليم تعد أحد العوائق الأساسية التي تعترض تحقيق التنمية في بلدان المنطقة، موضحا أن أغلب الدراسات والتقارير الدولية والوطنية، الرسمية وغير الرسمية، تحيل على الاختلالات والأعطاب البنيوية والمتنوعة التي تتخبط فيها المنظومة التعليمية في أغلب دول المنطقة.
وشدد على ان العديد من البلدان، وإن كانت قد تبنت سياسات وبرامج إصلاحية وإعادة الإصلاح، إلا أن ذلك لم يترتب عنه نتائج عملية وملموسة لأن هذه البرامج الإصلاحية لم تكن، برأيه، مرفوقة باهتمام كبير بجودة التعليم ونوعيته، وربط المنظومة التعليمية بسوق الشغل.
كما أن بلدان المنطقة، يضيف السيد بن شماش، تواجه أيضا مشكلة الهجرة وأزمة اللاجئين، لاسيما على خلفية تواجد العديد من بؤر التوتر والنزاعات والصراعات، ما جعل المنطقة تشكل منبعا وفضاء للاجئين والمهاجرين، حيث ارتفع عدد ضحايا الهجرة في السنوات الأخيرة. وأبرز رئيس مجلس المستشارين أن الانكباب على إشكالية الهجرة واللاجئين يقتضي من البرلمانيين الوقوف عند أسبابها ونتائجها وتأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية والأمنية على المنطقة، وكذا البحث عما يمكن القيام به لمعالجتها في إطار تبادل الخبرات والتجارب والتعاون، مذكرا في هذا الصدد بالمبادرة المغربية في مجال تسوية الوضعية القانونية لعدد من المهاجرين الذين يقيمون بالمملكة.
وعلى الصعيد الاقتصادي، اعتبر السيد بن شماش أن معدلات النمو في أغلب اقتصاديات المنطقة خلال السنتين الماضيين جاءت أقل من تلك المسجلة في سنوات سابقة، لافتا إلى أنه حتى وإن كان هناك تحسن في أداء اقتصاديات بعض البلدان في المنطقة، إلا ان أغلبها يعرف نسب نمو ضعيفة، وهي تبقى أقل جذبا للاستثمارات مقارنة بالسنوات السابقة.
من جانبها، أكدت المديرة القطرية لمجموعة البنك الدولي بالمنطقة المغاربية ومالطا، السيدة ماري فرانسواز ماري نيللي، أن بلدان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تواجه جميعها تحديات مشتركة تتمثل في الاستجابة لتطلعات مواطنيها، لاسيما الشباب منهم والذين يتوقون إلى إرساء علاقات جديدة مع الدولة. وشددت على أن الشرخ المسجل بين الواقع اليومي للشباب وتطلعاتهم تخلق لديهم حالة من القلق العميق، الذي يمكن أن يؤدي بهم إلى التفكير في الهروب أو الارتماء في أحضان التطرف أو الارهاب.
وسجلت المسؤولة بأن الحكامة تبقى في صلب العوامل المرشحة لرفع منسوب الثقة بين المواطن والدولة، والركيزة الأساسية لإرساء تعاقد اجتماعي جديد بالمنطقة، مشيرة إلى أن تحسين جودة الخدمات المقدمة للساكنة يمر بالأساس عبر الاستثمار الأمثل للتكنولوجيات الحديثة وتقوية آليات الشفافية وتجويد خدمات المرفق العمومي.
واعتبرت ماري نيللي أن التعليم يضطلع بدور محوري للاستجابة لتطلعات الشباب ومنحهم فرصا متكافئة، معتبرة أن إصلاح المنظومة التعليمية مرشح ليلعب دورا محوريا في معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يعاني منها مواطنو بلدان المنطقة.
وأشارت إلى أن دور البرلمان يبقى أساسيا في توفير الفضاء السياسي الضروري لحمل الحكومة على تحمل مسؤوليتها المرتبطة باعتماد اصلاحات التعليم.
كما أبرزت ان قضية الهجرة أصبحت واقعا ضاغطا على سياسات بلدان المنطقة، وذلك على اعتبار ان الصراعات العديدة التي تشهدها المنطقة ترفع من وتيرة النزوح والهجرة، مشددة على أن دور البرلمان يكمن بالأخص في العمل على إرساء السلم والاستقرار عن طريق اعتماد آليات الحكامة الرشيدة وتبني الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية الضرورية لتحقيق التنمية الشاملة.
أما نائبة رئيس الشبكة البرلمانية عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، السيدة ألفة سوكري الشريف، فقد أكدت ان دور البرلمانيين ضروري من أجل بلورة سياسات عمومية ناجعة وتحقيق التنمية الاقتصادية والقضاء على الفقر على مستوى بلدان المنطقة.
وأوضحت أن المنطقة تمر بمرحلة حرجة، ذلك أن التحولات السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي تميزها أثرت على معدل النمو وساهمت في الرفع من معدل البطالة، لاسيما بين الشباب من حاملي الشهادات، وهو ما يسائل برأيها الدور المنوط بالبرلماني في الدفع نحو تبني سياسات استثمارية لفائدة هذه الفئة من الساكنة.
وشددت على أن الوضع الحالي يحيل على ضرورة اعتماد تعاقد اجتماعي جديد يقوم على النمو الشامل، معتبرة أن الدولة لم تعد قادرة على تمكين خريجي الجامعات من الشغل أو دعم كل المنتوجات الضرورية.
وعليه، تضيف السيدة سوكري الشريف، فقد أصبح لزاما على هذه البلدان مباشرة الاصلاحات اللازمة لتحفيز نمو اقتصادياتها ومواجهة إكراهات المنافسة في عالم ينحو نحو العولمة بكل تجلياتها، مبرزة ان التجارب الدولية اظهرت بأن انخراط المؤسسات في النمو المستدام والشفافية يعد من الضمانات الأكيدة المفضية إلى الرخاء المستدام والمشترك. أما نائبة رئيس مجلس المستشارين، السيدة نائلة التازي، فقد أوضحت من جانبها بأن المغرب نجح في إرساء أسس نموذج تنموي يقوم أساسا على تعزيز الديمقراطية والنمو الاقتصادي والتنمية البشرية.
وأضافت أن ترتيب المغرب في تقرير ممارسة أنشطة الأعمال يوضح حجم المسار الذي انخرط فيه مشيرة إلى أن سياسة الانفتاح الاقتصادي الطموحة، التي يقودها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، مكنت المغرب من أن يصبح أرضية محورية للمبادلات الدولية.
وفي هذا الصدد، دعت السيدة التازي إلى تعزيز آليات الحكامة وشفافية المؤسسات وتنفيذ تعاقد اجتماعي شامل يقوم على التوزيع العادل لثمار النمو، والرفع من من القدرة الانتاجية للفرد والمقاولة وإدراج رأس المال البشري في صميم السياسات العمومية.
يشار إلى أن أشغال هذا اللقاء تواصلت بتقديم عدة عروض تتناول على الخصوص تقديم اهداف وانجازات الشبكة البرلمانية عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا، وأولويات الإصلاح الاقتصادي ، ومسألة تدبير تدفق المهاجرين بمنطقة الشرق الأوسط وشمال وافريقيا.
الجدير بالذكر ان الشبكة البرلمانية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، التي تأسست في سنة 2000 كمنظمة مستقلة غير حكومية، توفر منبرا للبرلمانيين من البلدان الاعضاء في مجموعة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لتبادل المعارف والخبرات بشأن السبل الكفيلة بمواجهة التحديات الانمائية ببلدانهم وبالمنطقة ككل.