أحيت فرقة “ملتقى السلام الدولية” بقيادة الفنان المغربي علي العلوي، مساء أمس الثلاثاء، حفلا موسيقيا بهيجا تحت عنوان “آفاق أندلسية” بفضاء الأكروبوليوم بقرطاج، وذلك في افتتاح الأيام المغربية بتونس المنظمة ما بين 5 و19 دجنبر الجاري تحت شعار “الثقافة والحوار وحسن الجوار”.
وشكلت هذه السهرة الفنية التي استمدت معينها من مقومات الثقافة والموسيقى الأندلسية، جسرا حقيقيا ودعوة إلى السفر عبر الزمن للاكتشاف والعودة إلى التاريخ المشترك بين العديد من دول المنطقة، ولاسيما المغرب، كأرض للقاءات وملتقى للحضارات.
رحلة في الزمن إلى إيقاعات موسيقية راقية ومقطوعات غنائية ممتعة تمتح من عبق التراث الأندلسي الغني، ترافقت مع تجسيد كوريغرافي من فن الفلامينكو أدته راقصة اسبانية، حيث استمتع الجمهور بلوحات فنية كشفت جمال ورونق الأزياء الإيبرية والمغربية الأصيلة.
ومن خلال المواضيع الفنية التقليدية التي أعيد توزيعها بشكل راق واللوحات الفنية التراثية قدمت فرقة “ملتقى السلام” نظرة متجددة عن التراث العربي والأندلسي العريق بمختلف أشكال التأثير التي مارستها الموسيقى الإسبانية وكذا الموسيقى المغاربية.
ويتعلق الأمر بتمازج من حيث اللغات والإيقاعات والأنغام التي أضحت مصدر إلهام لكتابة صفحات موسيقية جديدة والانتقال عبر سفر فني متفرد.
وسلط حفل “آفاق أندلسية” الضوء بشكل متميز على الحضارة الأندلسية متعددة الروافد، وعلى الرسالة الثقافية للتراث الموسيقي وال إرث الذي خلفته والذي مازال حاضرا حتى الآن.
وأبرز الحفل أيضا معالم “الأندلس”، كموئل للثقافة العريقة في أوروبا العصور الوسطى، والتي اغتنت بثراء الحضارات القادمة من الشرق والغرب، وجمعت على مدى ثمانية قرون، أتباع الديانات التوحيدية الثلاث الإسلام والمسيحية واليهودية، وجذبت بفعل إشعاعها الكثير من العلماء.
وتتكون المجموعة التي أحيت هذا الحفل من المغربيين علي العلوي وغيثة العلوي، بالإضافة إلى انغريد بانكان وجيل ستروش وألما بينت-توريت وديان لوشيناديك من فرنسا، و الفنانين الفرنسيين من أصل إسباني أنطونيو كيكو رويز وسيرينا دي سوزا، والفرنسية من أصل جزائري صابرينا موشي، والفرنسي من أصل فيتنامي سوني أدروا، والفرنسي من أصل إيطالي تييري دي فيليبو، والبوركينابي مامادو ديمبيلي.
وقد اقترحت هذه المجموعة بتنوع عناصرها على الجمهور الحاضر رحلة فنية من أجل استعادة روح التعايش الذي ساد في الأندلس بين العرب والأمازيغ والإسبان واليهود، الذين ساهموا جميعا في تطوير العلوم والهندسة المعمارية والموسيقى والشعر والفكر العالمي.
وفي افتتاح هذه الأيام المغربية أبرزت سفيرة المغرب بتونس، السيدة لطيفة أخرباش، أن هذه الأيام تشتمل على برنامج متنوع، وتشكل “لحظة تفاعل فكري وفني ووجداني، جدير بالعلاقات المتميزة والوشائج المتينة التي تربط بين الشعبين المغربي والتونسي”.
وأضافت أخرباش أنه “إذا كان من المفروض أن تكون للثقافة دوما مكانتها المحفوظة في المجتمعات كما في منظومة العلاقات بين المجتمعات، فإن واقعنا الشامل اليوم، الموسوم بارتفاع منسوب التقاطب والتنافر والانسياق الى التمترس الهوياتي، يحتم علينا كمجموعة إنسانية، أن نفرد حيزا أكبر ونخلق فرصا أوفر، ونهيئ فضاءات أرحب للتفاعل الثقافي والفكري من أجل إنعاش المعرفة المتبادلة كركيزة وعماد ضروريين للفهم والتفاهم”.
وأعربت في هذا الصدد عن ارتياحها، للعزيمة المشتركة للمغرب وتونس من أجل فتح آفاق جديدة للتعاون والتبادل الثقافي، مبرزة أن البلدين يتوفران على أهم المؤهلات التي تتمثل “في التزامهما الراسخ بقيم التعدد والاختلاف الثقافي والروحي”.
وأشارت في ذات السياق إلى أن المغرب وتونس انتهجا “نهج الترسيخ الديمقراطي والتغيير المجتمعي اللذين لا سبيل إليهما دون إقرار الثقافة والحرية كقيمتين متلازمتين”.
وتجدر الإشارة إلى أن الأيام المغربية بتونس تقترح على الجمهور التونسي والأجنبي مجموعة من المحطات تجمع بين الثقافة والموسيقى والسينما وفن الطبخ ومحاضرات وموائد مستديرة تدور بالخصوص حول حقوق الإنسان ووضعية المرأة.
ومن أهم مواعيد هذه الأيام، المائدة المستديرة التي ستنظم يوم 11 دجنبر بشراكة مع المعهد العربي لحقوق الإنسان بتونس والمجلس الوطني لحقوق الإنسان بالمغرب بمساندة وزارة التربية التونسية حول موضوع “التربية على حقوق الإنسان من أجل مواطنة مسؤولة”.
وبهذه المناسبة سيتم تنظيم تكريم من طرف سفارة المملكة في تونس بشراكة مع “جماعي الأيام النسوية المغاربية” والمكتبة الوطنية التونسية، للكاتبة المغربية الراحلة فاطمة المرنيسي تحت عنوان “نضالات نسائية مغاربية، فاطمة المرنيسي الفكر والنموذج”.
ومن أجل إشعاع أكبر يمتد خارج تونس العاصمة، سيتم تنظيم يوم يخصص للفيلم القصير في مدينة المنستير يوم 16 دجنبر بدعم من المركز السينمائي المغربي.
وسيكون فن الطبخ المغربي حاضرا أيضا خلال هذه الأيام المغربية من خلال تنظيم حدث ترويجي لمدة ثلاثة أيام يخصص لاكتشاف التقاليد وأوجه الابتكار في فن الطبخ المغربي.
ومن أجل تعزيز روابط التبادل الإنساني والثقافي والاقتصادي بين البلدين، ستنظم سفارة المملكة في ختام هذه الأيام مأدبة عشاء موضوعاتية على شرف أعضاء جمعية الطلبة التونسيين القدامى في المغرب.