ولتوضيح هذه الاستمرارية في التبليغ، يضيف الخطيب، أكرم الله تعالى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بمعجزة الإسراء، مراده في ذلك عز وجل، أن يبين للناس تشخيص هذه الاستمرارية على الأرض، حيث إن إبراهيم عليه السلام، بعدما بنى البيت بمكة وأقام المسجد في القدس، فكان مصلى بعده لسيدنا داود، ثم لابنه سيدنا سليمان عليهما السلام، مبرزا أن الله سبحانه وتعالى أراد أن يكون لخاتم النبيئين ارتباط بهدا المكان المقدس،الذي سجد فيه لله الواحد إخوانه من الأنبياء الذين بشروا بالحنيفية السمحة.
وللأسف الشديد، يضيف خطيب الجمعة، فقد أفسد من أفسد ممن خلف أتباع هؤلاء الأنبياء الأوائل، فتسلط عليهم الجبابرة بالفتك والإجلاء، ووقع طمس مكان المسجد، حتى ذكره القرآن وسماه بالمسجد الأقصى، نظرا لبعده ولبيان معجزة وصوله في جزء من الليل …، مشيرا إلى أن القدس عرف في العهد الإسلامي نظاما رعى لكل الأديان حرماتها، وسار على ماهو مقرر في مبادئه القرآنية، من اعتبار أصل الأديان الواحد، ورسالتها المشتركة، في زرع الإيمان ونبد الفرقة والإثم والبهتان.
وتابع أنه في هذا العصر الحديث الذي تسعى فيه الإنسانية إلى الاجتماع على كلمة سواء، في الحقوق والمساواة والحرية، وطرح كل أنواع الاستعلاء والتمييز، تظهر من جديد نوازع الشقاق حول الأماكن التي نزلت فيها رسالة التوحيد والمحبة من السماء، أرض فلسطين، وفي قلبها القدس الشريف، تمتد إليها الأطماع من قوم يزورون التاريخ، يعينهم على ذلك التزوير قوم آخرون، يلوحون بنصرتهم على الجشع والعدوان.
وشدد على أن القدس الشريف يحتل في ضمير الأمة الإسلامية مرتبة جليلة سامية إلى جانب الحرمين الشريفين، والعالم يشهد أنه تعرض للاحتلال الذي لم يتوان في طمس معالمه، والتضييق على أهله وساكنيه، مبرزا أن أمير المؤمنين، رئيس لجنة القدس، انتفض في وجه هاته الفعلة النكراء، ودعا المجتمع الدولي، على مختلف الأصعدة، لتحمل كامل مسؤولياته أمام التاريخ والمواثيق الدولية.
وهذه الانتفاضة الملكية الرائدة والفريدة، يوضح الخطيب، “نابعة من حرص سيدنا الهمام، على توفير كل أسباب البحث الجدي عن السبل الحكيمة لتحقيق السلام، وتحقيق الأمن والأمان الدائمين للطرفين ولكافة شعوب المنطقة”.
وأكد أن أمير المؤمنين ومنذ اعتلائه عرش أسلافه المنعمين، جعل قضية فلسطين، ووضع مدينة القدس الشريف في صدارة اهتماماته وانشغالاته، سواء في إطار لجنة القدس أو خارجه، ومواقفه أعزه الله في هذا المجال لا يحدها عد ولا يحيط بها حصر، مواقف جريئة وشجاعة، تصدع بالحق وتنادي بالإنصاف لشعب محتل مقهور، ولمدينة القدس السليبة، أولى القبلتين وثالث الحرمين.
وسجل أن العالم الإسلامي لن ينسى لجلالة الملك مواقفه ومبادراته المتواصلة، كما لا ينسى لوالده المنعم جلالة المغفور له الحسن الثاني صرخته المدوية سنة 1969 جراء إقدام سلطات الاحتلال على إحراق المسجد الأقصى، فدعا، رضوان الله عليه، لأول قمة إسلامية احتضنتها المملكة.
وفي الختام تضرع الخطيب وجموع المصلين إلى الله عز وجل بأن ينصر أمير المؤمنين، ويقر عين جلالته بولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير الجليل مولاي الحسن، ويشد عضده بشقيقه صاحب السمو الملكي الأمير المجيد مولاي رشيد، ويحفظه في كافة أسرته الملكية الشريفة.
كما رفعت أكف الضراعة إلى الله جل وعلا بأن يشمل بواسع عفوه وجميل فضله وكريم إحسانه الملكين المجاهدين، الحسن الثاني ومحمد الخامس، ويكرم مثواهما.