دخلت بولونيا ابتداء من يوم أمس الاثنين رسميا تجربة مجلس الأمن الدولي ،كعضو غير دائم ،وكلها أمل أن تعزز موقعها في الساحة الدولية وتتجاوز إشكالاتها القارية .
فقد انتخبت بولونيا في شهر يونيو الماضي بمعية الكويت وكوت ديفوارو وغينيا الاستوائية و البيرو وهولندا ، كأعضاء جدد غير دائمين بمجلس الأمن الدولي، وهي تتطلع الى أن تطوي صفحة خلافاتها مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي وصعوبة التوافق معها حول قضايا لم تجد طريقها للتوافق والحل ،وحتى تفرض ذاتها على الساحة الدولية من موقع أممي هام .
ورغم أن بعض المحللين يرون أن مهام بولونيا لن تكون “سهلة” ،لكونها لن تجد الدعم الكافي من دول قوية في المنتظم الأوروبي ،إلا أن وارسو ترى أنه وعلى العكس من ذلك ،فإن تواجدها في مجلس الأمن يجعلها على قدم المساواة مع الدول الرائدة في الاتحاد الأوروبي وإسماع صوتها جهرا .
ويعتبر غالبية مسؤولي بولونيا أن بلادهم ستحقق النجاح في مهامها الأممية ،لأنها كانت دوما من الدول المبادرة الى المشاركة في كل المهام الأمنية والسلمية للأمم المتحدة ،كما وسعت في السنوات الأخيرة من شبكتها الدبلوماسية ،التي شملت الكثير من دول القارات الخمس ،وتمكنت من بسط حضورها الاقتصادي .
كما اعتبر مسؤولو بولونيا أن نجاح بلادهم “مؤكد” في المهام الأممية الجديدة ،لأن سياسة وارسو تقوم على “الواقعية والبراغماتية” ،ولم يشهد التاريخ الحديث أنها دخلت في نزاع مسلح في مداها الجغرافي القريب أو البعيد ،وراهنت على الحوار والتفاهم والتوافق لحل أعقد الحلول ،سواء التي تهمها بشكل مباشر أو غير ذلك .
ورأت بولونيا أن الخلافات المبدئية مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي قد تتبدد حين تتحمل وارسو المسؤولية الأممية ،لأن الفرصة ستكون مواتية لإيصال خطابها وصوتها وطروحاتها لكل دول العالم ،خاصة في قضية الهجرة ،التي ترى بخصوصها أن موقفها هو الكفيل بحل المشاكل من العمق ،عبر دعم الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي والسياسي والأمني على مستوى الدول المصدرة للهجرة .
وترى وارسو أن منظورها بخصوص قضية الهجرة يرفض الحلول “الترقيعية والظرفية ” وينفذ الى عمق الإشكال ،وهو منظور يتجاوب مع رأي الغالبية العظمى لأعضاء منظمة الأمم المتحدة ،ومن تم لا شك في أن رأي وارسو سيلقى التأييد والدعم والقبول .
ومع أن بولونيا ستدخل “نادي الكبار” بعضويتها غير الدائمة بمجلس الأمن الأممي التي تمتد الى غاية يوم 31 دجنبر 2019 ،إلا أنها ملزمة بالتدبير الحسن لشؤونها الأوروبية ،مع وجود خلاف مباشر بينها وبين أعضاء مجلس الأمن الدائمين ،مثل روسيا وفرنسا، الدولتان اللتان لهما التجربة والقدرة الكافية لعرقلة مشاريع بولونيا في حال تعارضها مع مصالحهما.
ورغم أن بولونيا أكدت على أنها ستطلع بسياسة “متوازنة ومسؤولة” خلال عضويتها بمجلس الأمن وخاصة خلال ترأسها الدوري لمجلس الأمن في ماي سنة 2018 ،إلا أنها أعربت عن تخوفها من أن تصطدم مع القيود المنهجية مع الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن ،الذين يحق لهم استخدام حق النقض ، وهو ما يعيق طموحاتها في فرض مواقفها ووجهات نظرها التي تراها عادلة ،ولربما المقصود بذلك موقفها بخصوص منطقة الدونباس وتضارب ذلك مع مصالح روسيا ،ورفع عدد أعضاء مجلس الأمن الدائمين ليشمل منطقتي أوروبا الشرقية وأفريقيا .
ومن هذا المنطلق على بولونيا أن تغير من حدة خطابها و طريقة تدبيرها لأمور خلافية مع الدول الكبرى ،وهي تسعى من تواجدها في مجلس الأمن لتحقيق الإشعاع وتجويد سمعتها ،كما عليها تغيير الفكرة ،التي التصقت لدى الكثير من الدول في السنوات الأخيرة ،من أن بولونيا بلد “متطرف في أفكاره ومتعصب لآرائه ولا يقبل الحلول الوسطى وينحو الى المبالغة والتواجه “.
كما على بولونيا أن تستفيد من موقعها الأممي الجديد لتعزز موقعها داخل الاتحاد الأوروبي وتوسع من جغرافية حضورها السياسي ،عوض اللعب على وتر الانتماء الاقليمي الضيق وتمثيل منطقة شرق أوروبا على وجه التحديد ،خاصة وأن تحالفها مع دول شرق أوروبا تحكمه مرجعيات سياسية ظرفية تقوم على تقارب الإيديولوجيات وليس على مصالح الأمم .
وقد تكون عضوية بولونيا في مجلس الأمن إما رافعة ستساعدها على بسط جناحيها على أفق دولي عريض والمشاركة في إقامة النظام العالمي المشترك والقيام بدور نشط في الساحة الدولية وعولمة السياسة الخارجية البولونية ،كما تقول ،أو أنها ستقص جناحي البلد وتكرس النظرة حول بولونيا ،كبلد يجره الى الخلف انتماؤه الجغرافي الضيق .
ويبقى أن بولونيا تتحمل مسؤولية العضو غير الدائم بمجلس الأمن للمرة السادسة في تاريخها الدبلوماسي (1946 و1960 و 1970 و1982 ) ،إلا أن الفرق شاسع بين عالم وتكتلات اليوم والأمس ،فآخر مرة تولت فيه هذه المسؤولية تعود الى 1996/1997 بعد أن خرجت لتوها من نظام شيوعي وبعدها طرأت تغييرات سياسية جذرية على البلاد .
ومع ذلك ،قد تلقى بولونيا الأذن الصاغية والتوافق اللازم ،وهي تؤكد أن همها الأساسي خلال مسؤوليتها الأممية الجديدة هو دعم مبادئ القانون الدولي ومنع نشوب الصراعات وتعزيز الوساطة، فضلا عن القضايا المتصلة بالتهديدات الجديدة للسلم والأمن العالميين.