رغم التطور التكنولوجي الحثيث التي تشهده العديد من أقطار الوطن العربي، غير أن نسب الأمية، المتفاوتة حسب البلدان، ما تزال تشكل عائقا أمام تحقيق التنمية، مما يحتم ضرورة تسريع وتيرة الجهود المبذولة لتقليص رقعتها، في أفق القضاء على الظاهرة.
ففي عصر تتسارع فيه وتيرة نقل المعلومات وتدفقها عبر قنوات متعددة، تغدو الحاجة ملحة لتضييق الخناق على الهوة المعرفية التي تفصل بين أبناء الوطن الواحد، وأيضا على الصعيد الإقليمي، وذلك رغم التزايد الكبير في عدد مستخدمي التكنولوجيات الحديثة للتواصل.
وتفيد معطيات أوردتها المنظمة العربية للتربية والثقافة (الألكسو) في بيان على موقعها الإلكتروني بمناسبة اليوم العربي لمحو الأمية (8 يناير)، بأن معدل الأمية في الدول العربية يبلغ 27,1 بالمائة مقارنة بـ 16 بالمائة في باقي أنحاء العالم.
كما يقدر المرصد العربي للتربية بالألكسو أن عدد الأميين في الوطن العربي عام 2015 بلغ قرابة 54 مليون أمي، معتبرا أن العدد مرشح للزيادة في ظل الأوضاع التعليمية التي تعانيها الدول العربية التي تمر بأزمات ونزاعات مسلحة، نتج عنها حتى الآن عدم التحاق قرابة 13,5 مليون طفل عربي بالتعليم النظامي.
لهذا الغرض، تؤكد الألكسو أن اختيار الثامن من شهر يناير من كل عام يوما عربيا لمحو الأمية، الذي أقرته جامعة الدول العربية عام 1970، يشكل مناسبة سنوية للوقوف على ما تم إنجازه على الصعيدين الوطني والإقليمي في مجال مكافحة الأمية، والتعرف على الخطط والاتجاهات المستقبلية لمحو الأمية وتعليم الكبار بوصفهما سبيلا إلى تحقيق التنمية المستدامة.
كما تجدد المنظمة، بالمناسبة، دعوتها إلى كافة الدول العربية والمنظمات الدولية والإقليمية لدعم “مبادرة الألكسو لتعليم الأطفال العرب في مناطق النزاع (سورية، واليمن، وليبيا، والعراق، وفلسطين)”، وللعمل بجدية في إطار العقد العربي لمحو الأمية 2015-2024، وإلى تعزيز المبادرات الوطنية لتعليم الكبار باعتبارها ضمانات لتحقيق أهداف التعليم للجميع.
وتحث المنظمة أيضا، منظمات المجتمع المدني في الدول العربية على دعم مبادرات محو الأمية وتعليم الكبار كشريك حقيقي في تطوير المجتمع العربي. وفي هذا الإطار، كان مجلس جامعة الدول العربية قد اعتمد في مارس 2014، برنامج “العقد العربي لمحو الأمية وتعليم الكبار”، برسم الفترة 2015-2024.
وتعد الأمية خطرا محدقا بالعديد من الدول العربية، لما لها من تداعيات سلبية على المجتمع العربي، إذ بانتشار الأمية في صفوف المواطنين، تستفحل ظواهر متعددة تساهم في إعاقة خطط التنمية القائمة على تعليم الفرد والارتقاء به لتمكينه من خدمة وطنه.
وقد دعت جامعة الدول العربية، مؤخرا، إلى ضرورة التعجيل ببلورة خطة إعلامية لتسخير شبكات التواصل الاجتماعي لمواجهة الأمية في الدول العربية، وأيضا بتبني حملة إعلامية لتفعيل وسائل التواصل الاجتماعي لدعم جهود محو الأمية في العالم العربي، لما لوسائل التواصل الحديثة من أثر بين في تحقيق الالتقائية وتنسيق المبادرات القائمة.
وبالمغرب، يتم بذل جهود حثيثة لتقليص نسب الأمية، من خلال برامج وطنية طموحة وانخراط كافة فئات المجتمع المدني لتيسير ولوج كافة شرائح المجتمع، خاصة في المناطق النائية، إلى التعليم ومحاربة الهدر المدرسي، إلى جانب العديد من برامج محاربة الأمية الوظيفية. وتشير المعطيات إلى أن نسبة الأمية انتقلت من 43 في المائة سنة 2004 إلى 30 في المائة حاليا.
وتشير مذكرة إخبارية بمناسبة اليوم العالمي لمحو الأمية صدرت مؤخرا، إلى أن نسبة الأمية سجلت انخفاضا، حيث كانت تقدر بنحو 9 من كل عشرة أشخاص سنة 1960 أي 87 في المائة، إلى أكثر من 6 من كل عشرة سنة 1982 وإلى 4 من كل عشرة سنة 2004 إلى 3 من أصل 10 سنة 2014، أي 32 في المائة، مسجلة بالتالي تراجعا يقدر بالثلثين على مدى نصف قرن (54 عاما).
كما أظهرت المعطيات أن نسبة الأمية بلغت 41,9 بالمائة بالنسبة للإناث سنة 2014 مقابل 22,1 بالمائة بالنسبة للذكور، بعد أن سجلت على التوالي 78 و51 بالمائة سنة 1982. وبينما طالت الأمية 47,7 بالمائة من سكان الوسط القروي خلال سنة 2014، فقد بلغت النسبة 22,2 بالمائة في صفوف سكان الوسط الحضري، بعد أن كانت تبلغ، في سنة 1994 على التوالي 75 و37 بالمائة.
ومؤخرا، شكل التتويج الذي حظي به نظام معلومات خاص بتدبير برامج محاربة الأمية للوكالة الوطنية لمحاربة الأمية، خلال دورة 2017 لجوائز الإدارة الإلكترونية (امتياز)، إشارة قوية على الدور المتنامي للتكنولوجيات الحديثة في تحسين الوضع وتقليص معدل الأمية، حيث تراهن هذه الوكالة بالأساس، على التعبئة الشاملة لكل الفاعلين من أجل المساهمة في تقليص نسبة الأمية إلى أقل من 20 في المائة سنة 2021، وصولا إلى أقل من 10 في المائة سنة 2026.
هو إذن سعي حثيث يخوضه المغرب، على غرار العديد من البلدان العربية، للدفع بعجلة التنمية على صعيد المنطقة، لتحقيق أهداف المنظمات الأممية والعربية، في سبيل تخليص أبناء الوطن العربي من براثن الأمية.