أكد المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وبنك المغرب، في تقريرهما حول الرأسمال البشري، الذي جرى تقديمه أمس الأربعاء بمجلس المستشارين، على أهمية تحديد رؤية شمولية ومندمجة للتنمية، وتنفيذها في إطار متجانس يحفز التقائية المشاريع والفاعلين، وتوحيد آليات المراقبة والمساءلة والتآزر سعيا إلى جعل البلاد تدخل مسلسل الإقلاع على نحو لا رجعة فيه.
ويرى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وبنك المغرب أن النموذج التنموي المعتمد من طرف المغرب خلال السنوات الـ 15 الأخيرة، بناء على تقطيعه المجالي، وإن كان فعالا في مجال التحول الاقتصادي ونهج السياسات القطاعية، فقد أضحى يجد اليوم صعوبة في الانتظام ضمن رؤية شمولية منسجمة ومستديمة.
وحسب التقرير، تمكن المغرب من تنفيذ سلسلة من الإصلاحات الهيكلية التي عززت البنية المؤسساتية والبنيات التحتية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مضيفا أن المملكة انخرطت في مسلسل من الإصلاحات المؤسساتية التي توجت باعتماد دستور 2011، وفي تفعيل مختلف البرامج التنموية العرضانية وإطلاق استراتيجيات قطاعية تمت أجرأتها في عدة مخططات قطاعية.
وأوضحت المؤسستان أن تفعيل هذه الاستراتيجيات القطاعية ظل منحصرا في إطار كل قطاع على حدة، مما أدى بالتالي إلى قصور على مستوى التجانس والالتقائية والتآزر القطاعي الكفيل بضمان وقع أفضل لهذه السياسات ومضاعفته.
كما سجل التقرير قصورا على مستوى إشراك الأطراف المعنية وانخراطها، علما أن “الآليات المعتمدة من أجل التنسيق بين هذه الاستراتيجيات وأدوات حكامتها وتقييمها لا تكون في غالب الأحيان ناجعة بما فيه الكفاية”.
من جهة أخرى – تضيف المؤسستان – فإن التداخل بين الوكالات التنفيذية، المكلفة بالمشاريع الاستراتيجية والمهيكلة، والمصالح المركزية والترابية للإدارة والتنسيق فيما بينها، يتطلب توضيحا وتدقيقا أكثر على مستوى المسؤوليات والقيادة الاستراتيجية.
وأضاف التقرير أن الإصلاحات التي انطلقت على مراحل، لاسيما منذ تسعينيات القرن الماضي، أدت إلى ظهور عدد كبير من الوكالات والمؤسسات والمنظمات ذات مهام متنوعة “إلى درجة خلق التداخل وبعض الارتباك الذي من شأنه عرقلة السير العادي والفعال للمؤسسات”.
واستنادا إلى التقرير، ينبغي تصحيح هذا الوضع في إطار هندسة مؤسساتية واضحة من طرف الجميع، والتي توضح الأدوار والتفاعلات بين مختلف المتدخلين، وبالتالي إجراء ما يقتضيه هذا الوضع من إعادة هيكلة للبنيات والمؤسسات الحالية.
وعلى المستوى الاستراتيجي، يطرح تحدي الاستباق مسألة تحديد رؤسة شمولية ومندمجة للتنمية بالمغرب، وأجرأتها في إطار متجانس يساعد على خلق التقائية المشاريع والفاعلين، وعلى تعضيد الوسائل المرصودة للتنظيم، ولأدوات التقييم والمراقبة والمحاسبة والتآزر، من أجل مضاعفة الآثار والقيمة المنتجة.
وخلص تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي وبنك المغرب إلى أن تحدي الاستباق يتطلب “إحداث قطيعة مع سياسات التدارك، ومع التدبير تحت ضغط الإكراهات، سواء في إطار رد الفعل أو التدابير التصحيحية، على اعتبار أن هذا النمط من التدبير يؤثر سلبا على نجاعة التدخل العمومي وتنمية البلاد، ومن ثم يؤثر على ثقة المواطنين”.