تسبب الجدل الدائر بالجزائر حول خوصصة المقاولات العمومیة، في إطار میثاق الشراكة، الشھیر والإشكالي، بین القطاعین العام والخاص، وكذا حول قائمة الواردات ومتعھدي تركیب السیارات،
في حالة ارتباك، طالت حتى أحزاب المعارضة، وكشفت عن ”فوضى“ على مستوى أعلى ھرم في الدولة، جعلت الجزائریین في حالة ذھول.
فالجمیع یعتبر أن الشعور بالارتباك، بل وحتى ”الفوضى“ یسھل تلمسھ على مستوى دوائر القرار الرسمیة، كما تعكس ذلك التعلیمة الأخیرة التي وجھتھا الرئاسة الجزائریة لرئیس الحكومة، أحمد
أویحیى، والقاضیة بإلغاء القرارات التي تتعلق بخوصصة مقاولات عمومیة.
وتسببت ھذه التعلیمة في حالة من الذھول داخل الطبقة السیاسیة، بمختلف توجھاتھا، والتي تساءلت لماذا تمت إعادة أویحیى إلى جادة الصواب؟ ھل أثارت عملیة الخوصصة الشكوك حول استفادة
مقربین من أویحیى، رئیس حزب التجمع الوطني الدیمقراطي، الذي یتعین علیھ الانتظار في أفق الانتخابات الرئاسیة لسنة 2019؟ وھل یسعى حزب جبھة التحریر الوطني، الذي یتحكم في اللعبة،
ویتمثل النموذج الثاني لھذه ”الكبوة“، والذي أسال الكثیر من المداد، ویتصدر المشھد السیاسي للمرة الألف، في متعھدي قطاع السیارات، ففي الوقت الذي أعلن فیھ الوزیر الأول ”إقفال“ ھذه
الصناعة الناشئة عبر حصر عدد المتعھدین في عشرة، قرر وزیر الصناعة، الذي یحظى بحمایة قصر المرادیة، منح ترخیص مسبق إلى ما لا یقل عن 40 متعھدا من أصل 60 الذین أودعوا
ملفاتھم لطلب رخصة إنشاء مصنع لتركیب العربات بالجزائر.
أما النموذج الثالث الذي یدل على ھذا ”الاضطراب السیاسي“ فیتمثل في إلغاء الضریبة على الثروة، تحت ضغط اللوبیات، على الرغم من إعلان الوزیر الأول عنھا وتھلیلھ لھا في إطار مشروع
قانون المالیة لسنة 2018 ،وھكذا أجھض نواب جبھة التحریر الوطني، الحزب الحاكم، ھذا المشروع بحجة أن إدارة الضرائب قد تصطدم بصعوبات في تطبیق ھذه الضریبة الجدیدة على أرض
الواقع، مما أثار غضب الجزائریین الذین نددوا بسیاسة الكیل بمكیالین.
وقد بدأ ھذا التضارب على أعلى مستوى یؤثر سلبا على المناخ العام السائد بالبلاد، حیث یخشى الفاعلون السیاسیون من أن تتحول حرب الأجنحة، التي اندلعت داخل النظام نفسھ، تحسبا لرئاسیات
سنة 2019“ المتنازع علیھا بشدة“، إلى اصطدامات مباشرة بین الأطراف الفاعلة، وبالتالي المخاطرة باستقرار الدولة الھش أصلا.
ویرى العدید من الملاحظین، أن القسمة مدبرة بذكاء تفادیا لطلاق بائن بین من یقدم نفسھ على أنھ ”الخادم الكبیر للدولة“ ورئاسة الجمھوریة. فأحمد أویحیى، الذي تم تقدیمھ عشیة الإقالة العنیفة لعبد
المجید تبون، ك“رجل المرحلة“، بحسب اعتراف، عبد العزیز زیاري، رئیس المجلس الشعبي الوطني، یتعرض، منذ عدة أشھر، لمضایقات متوالیة ستؤثر بدون شك على مستقبلھ كوزیر أول.
ویتساءل محللون ھل سیتم إسقاط أویحیى لكونھ انزاح عن العقیدة السیاسیة والاجتماعیة لبرنامج بوتفلیقة كما یتھمھ بذلك منتقدوه وتؤكده بعض التعالیق الصحفیة؟ أو من أجل طموحاتھ الرئاسیة التي
تزعج الجناح الرئاسي، بحسب بعض التسریبات؟. ویلاحظ ھؤلاء المحللون، أن الحكومة في الجزائر توجد تحت أنظار مؤسسة الرئاسة، وأصحاب القرار الذین یشتغلون في الظل، حیث یحدد لھا
ھذان الطرفان سقف التحرك، ویراقبان اشتغالھا، ویملیان علیھا قراراتھا ویخضعانھا للرقابة، بحیث لا یتركان لھا سوى ھامشا ضیقا للمناورة.
وبحسب العدید من الساسة، على غرار رئیس الحكومة الأسبق، أحمد بن بیتور، والأمینة العامة لحزب العمال، لویزة حنون، والوزیر الأول الأسبق، سید أحمد غزالي، وكذا رئیس حزب (طلائع
الحریة)، علي بن فلیس، فإن العرض، متعدد الحلقات، الذي دعي الجزائریون لتتبعھ، یكشف عن تدھور متقدم للمؤسسات، بل وحتى انزلاق ھذه الأخیرة لفائدة مصالح تحوم حول النظام السیاسي.
وبالفعل، فإن الحرب الكامنة التي دخلت فیھا مختلف الأجنحة، بشكل علني، كما لو أن الأمر یتعلق بمطاردة لربح بعض الأمتار في السباق إلى الرئاسیات المقبلة، تفاقم أكثر حالة الیأس العام لساكنة
تتعرض لضغط كبیر.
وما فتئ العدید من المناضلین ورجال السیاسة یكررون أن الدولة الجزائریة، وبفعل تدبیر عشوائي طویل الأمد، والذي انضاف إلیھ في ما بعد فراغ صارخ في الحكم، أضحت ”بدون مؤسسات“
لتضع نفسھا في خدمة مصالح أجنحة خفیة. وھو وضع یجعل الجزائریین في مواجھة فوضى عارمة.