الفاعل الجمعوي بين مطرقة الرغبة و سندان الواقع (مقالة رأي)

إن المبادرة و الدخول في غمار العمل التطوعي الخيري، من أهم الميزات التي تميز أفراد المجتمعات المتكافلة و المتضامنة اجتماعيا بغية، لتحقيق مساوات و تكافل حقيقي في مجالات لا يمكن للمؤسسات ذات الطبيعة الحكومية أو الشبه حكومية أن تغطيها بطريقة مباشرة فتلجأ الى الطرق الغير مباشرة عن طريق هيئات غير حكومية، و هذا الوضع لايمكن فقط نسبه لما بعد انطلاق العمل الجمعوي بالمملكة المغربية بخروج الظهير الشريف لسنة 1958 و ما بات يعرف بظهير 58 الذي يمنح للأشخاص الحق في تأسيس الجمعيات الخيرية ذات الطبيعة التطوعية، بل يعود الى قرون قد خلت ضمن ثاقفتنـــــــا المغربيـــــة و الإسلامية ولنا في الأيات القرأنية خير دليل، و الان وبعد مرور 60 سنة على تأسيس أول جمعية بالمغرب هل يعي الفاعل الجمعوي المتطوع ماهية خلق الدولة لهذا النوع من المؤسسات؟ و هل يكفيه الرغبة للوصول الى النجاح في المجال التطوعي؟ و ماهي أهم التصادمات التي تواجهه في حقل الاشتغال أو داخل ميدان الاشتغال؟.
الرغبة و الطموح بين ثقافة الفعل الخيري و الأهداف الشخصية :
ان الخوض في غمار العمل التطوعي دائما ما تكون له خلفيات و دوافع تتغير من شخص لاخر حسب الطموح و الهدف المنشود المرسوم مسبقا، فستجد منهم هدفهم هو رغبة في فعل الخير تبعا لثقافته و ايديولوجيته و بيئته التي تربى فيها، و منهم من هدفهم أن يجعل مرحل العمل التطوعي أو العمل الجمعوي فقط تسخينات أو تهيئــــة لدخول غمار السياسة و الانتخابات قصد كسب تعاطف الناس و بناء سمعة شخصية، فيما نجد أن طرفا أخر لا شغل له و لا عمل، فيتخد العمل الجمعوي فقط مهنة له سواء من أجل سد حياجياته الشخصية أو البحث عن الغنا، و من العبارات التي تداول حول هذا الامر عبارة ” المنح و الدعم للجمعيات هو المال السائب الذي لا تطاله مراقبة ” و بالتالي مما نجده من خلال ما سبق هو أن الرغبة و الطموح يختلف من فرد لاخر و من مجموعة لأخرى تبعا لمجموعة من العوامل و الحيثيات و النيات التي يخبئونها في أنفسهم.
واقع الحال في خوض غمار التحدي في المجال الجمعوي.
إن واقع الحال المعاش في العمل الجمعوي على مستوى المملكة المغربية بجل مناطقها سواء قروية كانت أو حضرية، فهي تتقاسم نفس المشاكل و المعانات مع اختلاف الهموم كل حسب حاجياته حيث تنقسم بين ما يهم الفرد نفسه و ما يفرض عليه من طرف محيطه، وبالتالي من خلال هذه الفقرة سنحاول جرد بعض المشاكل التي تتعلق بالفرد بالإضافة الى ما يفرض عليه من طرف محيطه.
الفرد دخولٌ بدون وجه حق:
يبقى الانخراط في العمل الجمعوي هو حق تمنح القوانين و الأعراف المغربية لكل فرد يتمتع بكامل حقوقه المدنية، لكن الغريب في الامر هو و مع دخول هذا الفرد الى هذا المجال حتى تبدأ العبارات و الكلمات التي تنتقد المجال و من يعمل فيه و من سيحتك معهم من سلطات و منتخبين و غيرهم من المؤسسات التي من المفترض ان يشتغل بمعيتها، و هذا ما يحيلنا على قول هل لازلنا لم نعي أهمية المجال الجمعوي في تطوير المجتمع و هل يحق لكل فرد أن يلجــه بدون أية قيود ونقول لهم أدخلـوها بسلام من حيث شئتم دون حسيب أو رقيب، و بالتالي نبدأ بسرد أهم العوائق التي يضعها الفاعل الجمعوي لنفسه و منها لاللحصر الشق القانوني الذي لا يفقه فيه شيئا من قبيل القانون المنظم للجمعيات 07.09 و الظهير الشريف 1958 رغم أن كل الجمعيات تضع هذين الرقمين في دباجة القانون الاساسي، بالإضافة الى القوانين المؤطرة لعلاقة الجمعيات و الفاعل الجمعوي بالمؤسسات سواء المنتخبة أو غيرها من قبيل القوانين التظيمية الخاصة بالمجالس الترابية و مجالس الأقاليم و العمالات و كدى مجالس الجهات دون اهمال دستور المملكة المغربية الذي جاء حبــــلا بالصلاحيات و القوانين المنظم بداية من الفصل 12 الى حدود الفصل 17 و غيرها من الفصول التي تهتم بالمجتمع المدني، وبعيد عن الشق القانوني فان من أهم العوائق التي يضعها الفاعل لنفسه الخمول و عدم البحث عن تكاوين في المجال أو البحث عن تكوين ذاتي أو حتى اكتساب تجربة بالاحتكاك بالاخرين ممن سبقوه تحت دريعة خوك في الحرفة عدوك، تبقى هي عوائق داخلية و ذاتية للشخص سهلة العلاج فقط لمن له رغبة العمل الخيري التطوعي.
عوامل الخارج قوة تمنح للفاعل أم حاجز مدمر للرغبة؟.
لابد لنا بعدما ناقشنا الفاعل الجمعوي من تسليط الضوء على محيط اشتغال ذات الفاعــــل و خصوصا ذات الصلة المباشرة به من مؤسسات منتخبة و غير منتخبة، بالإضافة الى السلطات دون اهمال الفاعلين الجمعويين الاخرين.
في بداية الامر لابد من التركيز على المؤسسات المنتخبة من جماعات ترابية و إقليميـــــة و جهوية و التي من المفترض أن تعامل الجميع على قدم المساوات، لكن للأسف نجد مايقع عكس ذلك فيتعاملون على أساس من أنت و من رهطك و من لا يؤمن بمثلي فلن يستفيد أو يتعامل معي خصوصا أن المصدر الأول للموارد المالية للجمعيات هي هــــذه المؤســـسات، و من هنا وجب على هذا الفاعل أن يكون مكونا بشكل كافي لكي يتعامل مع هؤلاء الافراد، أما فيما يخص السلطات المحلية فأنا شخصيا ألاحظ أن المغرب بقيادة ملك البلاد يسير نحو تنمية متطورة بوثيرة متسارعة لكن بالمقابل أننا نرى جيلا من السلطات يسير سير السلحفات ويكون حجر عثرة بالنسبة للفاعلين و الجمعيات من خلال وجود ثغرة في إلمام الفاعلين بالقانون الذي يؤطر علاقتهم بتلك المؤسسة، أما بخصوص الفاعلين الجمعوين فيما بينهم أو على العموم الجمعيات فيما بينها، فإنك تجد هناك حربا قائمة باردة غير معلنة فقلة قليلة هي الأوقات التي تجد جمعيات تشتغل فيما بينها بتعاون و مساعدة بعضها البعض، بل ينطبق عليهم غالبا احد الأمثلة التي دوما ما أقولها ” اتفقت أنا وصديقي أن نسرع إلى النجاح شرط أن نعين بعضنا البعض، لكن عندما فتحت عيناي وجدت نفسي طريح الأرض و صديقي يبعدني بأميال فعلمت أن صديقي وضع حجرا من أجل سقوطي و انطلق”، مثال بسيط يجسد واقع الحال الخاص بالفاعلين الجمعويين و الجمعيات فيما بينهم.
في ختام مقالتي هذه فإني وددت أن أطرح سبب كتابتي لهذا المقال فقد حضرت مؤخرا للقاء معين رغم أني وصلت عند ختام اللقاء، الا أني سمعت المحاضر يقول جملة لم استصغها “لا يجب أن تحل الجمعيات محل المؤسسات لانها لن تصل الى نتائج كبيرة أو مهمة”، وعلما أن تعريف الجمعيات و هيئات المجتمع المدني واضح لكن سأطرح سؤالا، او ليست الجمعيات جزء لا يتجزء من الوطن، اوليس هناك جمعيات تقوم مقام مؤسسات و شركات كمن توفر حافلات النقل و مؤسسات للأطفال و النساء و الشيوخ و العجائز، و مؤسسات تعليمية و غيرها؟؟ لكن للأسف جهلنا بماهية العمل الجمعوي يجعلونا دون الوصول إلى مستوى العمل الحقيقي للجمعيات و أختم كلامي و أحيلكم على نموذج العمل التطوعي بمدينة لندن الإنجليزية فبحثوا عنها لعل الغيرة تكون نسيبكم !!!!!!
الكاتب : عبد الاله رشقي

عن موقع : فاس نيوز ميديا