و أنت تمشي بين شوارع مدينة فاس وسط الطريق المُعبد المخصص للدراجات و السيارات بعد احتلال الرصيف من طرف الباعة الغير متجولين (الفراشة) حيث أصبحت لهم أمكنة قارة حتى وأنه كما حكى لي أحد الاشخاص متهكما أنه شاهد أحدهم وقد تزود بالكهرباء من عمود كهربائي للإنارة العمومية و هو يشاهد التلفاز و سط الخيم العشوائية المنتشرة بمطقة بندباب و التي كان المشرفون عليها بالقوة يتقاضون عائدات مالية هائلة من خلال أخد مقابل عن كل بقعة يستغلها الفراشة ، لكن المشكلة هنا ليست مشكلة فراشة وآخدي الصنك بل هي مشكلة غياب السلطة من خلال تنظيم الشوارع و زجر المتطاولين على الملك العام و تحديد المساحة القانونية التي بإمكان حتى صاحب محل تجاري وأقصد تجاري قانوني و التي هي في حدود المتر و أربعين سنتمترا أمام باب محله حسب علمي أو أقل من ذلك بما في ذلك المقاهي و التي أصبح صاحب فكرة هذا المشروع لا يحمل هَمَّ سوى مكان لعصارة القهوة ليدشن مشروعه ناهبا حق الراجلين و عابثا برونق الشارع العام مُحْدثا مِلكا شاسعا محدِّدا إياه ب “باش” و مغارس مملوءة بالطين ليمنح لزوار المقهى جلسة استراتيجية تسمح لبعضهم بالتمتع بما يهوى مشاهدته من مناظر و تتبع ل…المارة و هو يحتسي قهوة الصباح أو المساء التي لا تنتهي عند البعض إلا ساعة إغلاق المقهى حتى أن بعضها أصبحت في بعض الأحياء لم تعُدْ محتاجة لأبوابها ما دامت تشتغل 24/24 ساعة ضاربة عرض الحائط بالقانون المنظم لمثل هذا النشاط.
لكن المثير للاهتمام و الانتباه هو انتشار الأكشاك القصديرية بل التي أصبح البعض منها مبنيا بالأسمنت و التي حولت مدينة فاس و غيرها من (الحواضر) لشوارع قصديرية بعد أن كان هَمُّ السلطات من قبل القضاء على الأحياء القصديرية و التي لا تزال منتشرة رغم الجهود التي قامت بها هذه الأخيرة (السلطات) من خلال برنامج وطني لإيجاد حل لهذه المعضلة و قد تمكنت ب”باب الغول” ظهر المهراز من القضاء على هذه الأحياء عبر مراحل حيث يتم اللجوء للهدم مقابل الاستفادة قاطعين الطريق على احتيال البعض كما وقع بقصبة مولاي الحسن قرب حي السعادة و التي استفاد القاطنون بها قبل 1990 من بقع بمنطقة عين السمن و انتقل البعض فيما بقي آخرون و استوطن قادمون جدد و اصبحوا يطالِبون بالاستفادة من بقع أرضية أو مساكن من جديد ضمن برنامج القضاء على دور الصفيح الذي مر على الموعد المُسطر لإتمامه حوالي العِقْد من الزمن .
إن مشكلة الاحتيال للاستفادة مرة أخرى و كذلك المعضلة الكبرى “شوارع الصفيح” تقتضي التعامل بجدية و حزم لتحسين رونق المدينة المشهود لها تاريخيا بالريادة في المجال العلمي من خلال جامعة القرويين و العلماء الذين درسوا و كذا أبناء المدينة الذين ذاع صيتهم و كذلك طيبوبة سكانها زِدْ على ذلك وجودها ضمن لائحة الوِجهات السياحية العالمية المرموقة كما أنه لا يجب نسيان الجانب الأمني الذي أصبحت هذه الفضاءات العشوائية تساهم في تفاقمه
إن حل المشكلة لا يجب أن يكون على حساب الطبقة الكادحة التي تنشط بهذه الطريقة الغير قانونية بل يجب إيجاد حلول ملائمة تراعى فيها مداخيل لهذه الطبقة المسحوقة التي تعيش حتى تحت خط الفقر و معاييره الخاصة بصندوق النقد الدولي و الذي كان جديرا بتسمية ” الدخل المساهم في البقاء على قيد المعاناة و ليس الحياة” حيث تنتشر ب”حافة مولاي ادريس و غيرها من الفضاءات الشعبية الأخرى أنشطة لا يمكن تسميتها بالتجارية لأن السلع المعروضة فيها شبيهة بالنفايات المحيطة بهؤلاء الممارسين لهذا (النشاط) حيث يعرضون حقنا طبية مستعملة و أطقم أسنان مستعملة و بعض المسائل التي يندى الجبين لسردها لتتداخل مشكلة الهجرة القروية في غياب العائد المادي هنالك بالأرياف و النمو الديموغرافي الغير المعقلن و الجهل و الفقر كنتيجة لكل هذا فيعطينا مدينة شبيهة ببنايات دوار من قصدير وبنايات حتى أنك تجد بعض “البراريك” وسط الأحياء
و قد تصادفت كتابة هذا المقال مع قيام السلطات المحلية بمساعدة رجال الأمن بإخلاء مدار بندباب من الفراشة الذين أعاقوا لمدة طويلة حركة سير المواطنين فما بالك بالسيارات التي أصبح أصحابها يتفادون المرور من تلك الطرقات الضيقة أصلا ناهيك عن استغلال جنباتها بل حتى وسطها ، وهو ما شوه صورة فاس المنتشرة عبر وسائل التواصل الاجتماعي و المشهد شبيه بأحد الأحياء الصفيحية في الهند حيث يقوم الباعة هنالك بِشَغْل السكة الحديدية مباشرة بعد مرور القطار
إن الحرب على المتطاولين على الملك العام يجب أن تستمر و دون هوادة و يتسيد القانون على الجميع و يكون ذلك باستمرار و ليس عبارة عن حملات موسمية كما يجب على السلطات المحلية إتمام عملية هدم الأكشاك القصديرية و التي كانت قد بدأتها بالطريق المؤدي ل”اولاد جامع” و بعض الأحياء الأخرى حيث استحسنتها الساكنة أنذاك و إيجاد بدائل مُنَظمَة لأصحابها لأنه لا يُعْقل أن تستمر المنافسة بين مالك محل تجاري له مصاريف كراء و ضرائب و … و مُتطاول على ملك عام مَعفي من كل التبعات المادية حتى أن بعضهم ليختار موقعا استراتيجيا بأربع واجهات و منهم من يستغلها للسكن و ترويج المخدرات والمسكرات و استعمالها . كما نُهيب بالمسؤولين عدم نسيان إعادة إحداث أرصفة للراجلين وممرات للعبور لعلها تكون أرضية مناسبة لتطبيق قانون 25 درهم .
عن موقع : فاس نيوز ميديا