تنفست ألمانيا وأوروبا الصعداء بعد موافقة الحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني، أمس الاحد، على الدخول في ائتلاف حكومي مجدد مع الاتحاد المسيحي بزعامة المستشارة الالمانية انغيلا ميركل، مما يمهد الطريق أمامها لولاية رابعة ستمكن ألمانيا من الخروج من أزمة سياسية غير مسبوقة ومن استعادة دورها البارز في الاتحاد الاوروبي.
وكان الحزب الاشتراكي الديمقراطي قد أعلن أمس رسميا أن ثلثي أعضائه، بواقع 66.2 بالمائة، قد وافقوا في استفتاء داخلي على تشكيل ائتلاف حكومي مع التحالف المسيحي الذي يضم حزب ميركل المسيحي الديمقراطي وحليفه البافاري الحزب المسيحي الاجتماعي.
وقال الرئيس الالماني فرانك ـ فالتر شتاينماير الذي قام بدور بارز من أجل تجنب إجراء انتخابات جديدة بعد فشل ميركل في محاولة أولى لتشكيل حكومة مع الخضر والديمقراطيين الليبراليين، “أعتقد أن انتهاء فترة عدم اليقين تلك في مصلحة بلدنا”، مضيفا أنه سيقترح اليوم الاثنين انتخاب ميركل في مجلس النواب (بوندستاغ) كمستشارة.
من جانبها، قالت ميركل في تصريح مقتضب اليوم الاثنين، إنه “بعد ستة أشهر، للشعب الحق في حكومة قوية”.
كما وعدت بالعمل سويا مع فرنسا لتعزيز الاتحاد الاوربى وتعهدت بتأمين الاقتصاد الالمانى وسوق العمل في المستقبل.
وبدورها أعربت رئيسة كتلة الحزب الاشتراكي الديمقراطي في البرلمان الألماني أندريا ناليس والمرشحة لرئاسة الحزب أمس الاحد عن سعادتها لنتيجة التصويت، مضيفة أنها لم تتوقع أن تصل نسبة الموافقين على الدخول في حكومة مع المستشارة ميركل إلى الثلثين وأكدت أن التصويت لن يؤدي إلى حدوث انشقاق في الحزب..
ويأتي قرار الاشتراكيين بعد حالة من عدم اليقين التي سادت المشهد السياسي الالماني حيث كان من الصعب التكهن بنتيجة التصويت مسبقا بسبب الوضع الصعب الذي يتواجد فيه الحزب الاشتراكي الديمقراطي، وهو واحد من أقدم الأحزاب السياسية في ألمانيا وفي أوروبا، جراء تراجع شعبيته.
وشهد الحزب انقساما في صفوفه بين معارض ومؤيد لتجديد ائتلاف مع المسيحيين إذ اعتبر المعارضون أنه يتعين على الحزب الانضمام إلى صفوف المعارضة بهدف تجديد الحزب وأن الدخول في ائتلاف حاكم مع ميركل تسبب في ضياع هوية الحزب اليسارية، حيث لم يعد الكثير من المواطنين يعلمون توجهه.
وإذا كانت ميركل قد تمكنت من انتزاع ولاية رابعة فان المراقبين يتوقعون أن تكون الاصعب، بعد أن أضعفتها الانتخابات التشريعية الاخيرة التي فقد فيها حزبها العديد من الاصوات، الى جانب الانتقادات التي وجهت اليها في صفوف حزبها حيث تمت مؤاخذتها على تقديم تنازلات خلال مفاوضاتها مع الاشتراكيين من خلال تخليها عن حقائب وزارية مهمة مثل المالية والداخلية من أجل تأمين تشكيل ائتلاف حكومي.
وفي هذا الصدد، اعتبرت قناة دويتشه فيله في تعليق لها على قرار الاشتراكيين أنه “منذ 12 عاما كانت الأمور أكثر وضوحا، أنجيلا ميركل كانت وبقيت مستشارة، وكل ما عدا ذلك لم يكن لباقي العالم سوى أمور هامشية ، لكن ومع وصول حزب البديل من أجل ألمانيا، اليميني الشعبوي إلى البرلمان الألماني، انتهى هذا الوضع المريح لممارسة السياسة. الأحزاب الكبرى تصغر، والصغيرة تكبر. وبالتالي يصبح وجود أغلبية حكومية أكثر تعقيدا”.
وأضافت أنه “بموازاة ذلك يجب على التحالف الكبير الآن ورغم الحكم المشترك أن يجد سبيلا للتنازع داخل الائتلاف أيضا لوضع حدود بين الحزبين. فقط التميز الواضح والتباين، يمكن أن يوقف خسارة الناخبين. وإذا لم ينجح هذا الشيء، فإن كلا الحزبين سينحدران في الانتخابات المقبلة، وعلى أبعد تقدير في 2021 إلى الحضيض”.
ولئن تمكن قرار الاشتراكيين من إخراج المانيا من عنق الزجاجة بعد أطول فترة استغرقها تشكيل الحكومة في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، فقد خلف ايضا حالة من الارتياح في العواصم الاوروبية التي كانت تترقب نتيجة التصويت خاصة بالنسبة لفرنسا، الحليف الاستراتيجي لبرلين والتي اعتبرت على لسان رئيسها ماكرون أنه “نبأ سار لأوروبا”.
وأكد بيان قصر الاليزيه ان فرنسا وألمانيا يودان التعاون من أجل الإعداد لمبادرات جديدة للأسابيع المقبلة والمضي قدما في المشروع الأوروبي.
كما رحبت المفوضية الأوروبية بقرار الاشتراكيين حيث كتب مفوض شؤون الاقتصاد بيير موسكوفيجي في تغريدة: “الآن تستطيع ألمانيا أن تعمل من أجل تقوية أوروبا”.
وكتب المفوض الفرنسي ايضا في تغريدة له ” كل التهاني القلبية لأصدقائي الاشتراكيين للقرار المسؤول والحاسم الذي أتخذوه”.
بدوره، رحب نائب رئيس المفوضية الأوروبية الهولندي فرانس تيمرمانس بقرار اصدقائه الاشتراكيين الألمان معبرا عن ارتياحه التام في تغريدة بالمناسبة.
وناشد رئيس الوزراء البلجيكي شارل ميشيل الحكومة المقبلة في برلين الإسراع بالخطوات على المستوى الأوروبي، معبرا، حسب بيان في بروكسل عن قناعته “بأن الحكومة الألمانية يمكن أن تكون قوة دافعة للمشروع الأوروبي”.
وشدد على ضرورة تحقيق أوجه تقدم في قضايا الهجرة والأمن وتعزيز الاقتصاد الأوروبي بالتعاون مع دول الاتحاد الأوروبي الأخرى.
يشار الى ان هذا الائتلاف هو الثاني الأوسع على التوالي والثالث من نوعه بالنسبة للأحزاب الثلاثة تحت إدارة ميركل منذ عام 2005.