بات الذكاء الاصطناعي، الذي يوصف أحيانا بأنه عالم غامض وعصي على الفهم، وتارة أخرى بأنه ضرب من الخيال العلمي، حقيقة واقعة ستسهم في المستقبل القريب، وفقا للخبراء، في تشكيل جميع التخصصات العلمية، بل حتى دقائق مناحي الحياة اليومية. فهذه الثورة التكنولوجية والبشرية، التي تبلورت في الخمسينات من القرن الماضي، تتيح عددا من المزايا، لكنها تطرح في الآن نفسه تحديات كبيرة.
وقد أصبح للذكاء الاصطناعي، الذي يستخدم التكنولوجيات المتقدمة الهادفة إلى تسهيل أمور الحياة اليومية للأفراد، مكان في العديد من المجالات والخدمات مثل الصحة والتعليم والخدمات المالية والفلاحة والنقل. وباتت العديد من البلدان تستثمر في هذا المجال، بل وتتخذه وسيلة لكسب رهان التحول الرقمي الحقيقي.
وفي رسالة بهذه المناسبة، أكد هولين جاو، الأمين العام للاتحاد الدولي للاتصالات، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة متخصصة في مجال الخدمات والتكنولوجيات، أن “الذكاء الاصطناعي يقع اليوم في صلب الاهتمام، حيث إن آثاره في حياة الناس متعددة وباتت الإمكانات التي يتيحها تُستغل وتُطور بوتيرة غير مسبوقة. ويتيح الذكاء الاصطناعي فرصا هائلة ويطرح تحديات لا حصر لها، وسيحدث تغييرا كبيرا في اقتصادنا وفي مجتمعنا”.
وقال إن الاتحاد يشجع على “تطوير الذكاء الاصطناعي واستثمار ما يوفره من منافع”، مبرزا التقدم الكبير الذي تم إحرازه في السنوات الأخيرة في مجال الذكاء الاصطناعي، وهو تقدم تحقق بفضل الإنجازات الهائلة التي لوحظت في المجالات ذات الصلة مثل البيانات الضخمة، والتعلم الآلي، والقدرة الحاسوبية، وسعة التخزين والحوسبة السحابية.
وفي المغرب، الرائد على صعيد القارة الإفريقية في مجال تطوير التكنولوجيات، وفقا لتصنيف حديث صادر عن (سايفاي إفريقيا) لأفضل 10 بلدان من القارة، أصبح الذكاء الاصطناعي يستأثر باهتمام الجامعة، حيث تعكف فرق بحث على العديد من المفاهيم والتطورات ذات الصلة، مثل التعلم الآلي والتعلم العميق، وفقا لأستاذة هندسة الكمبيوتر في جامعة محمد الخامس بالرباط، دليلة الشياظمي، التي أشارت إلى أن المقاولات والشركات الناشئة أطلقت مشاريع ودراسات لولوج عالم الذكاء الاصطناعي.
وأبرزت السيدة الشياظمي، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء بمناسبة الاحتفال بهذا اليوم العالمي، الجهود التي تبذلها المملكة لتسريع التحول الرقمي، لا سيما من خلال اعتماد الإدارات المغربية في مختلف عملياتها على تكنولوجيا المعلومات والاتصال، فضلا عن بلورة استراتيجية المغرب الرقمي 2020، وخاصة إنشاء وكالة التنمية الرقمية.
وتتمحور هذه الاستراتيجية الطموحة حول ثلاث ركائز، هي تعزيز “الحكومة الإلكترونية”، وتقليص الفجوة الرقمية، وتحويل أهم قطاعات الاقتصاد الوطني. كما تهدف إلى جعل المغرب قطبا رقميا إقليميا، لا سيما من خلال تعزيز عرض التصدير الرقمي، والملاءمة مع إسناد العمليات التجارية إلى جهات خارجية في أوروبا، بالإضافة إلى تحفيز أنشطة القطب الرقمي لإفريقيا.
غير أن الأستاذة الجامعية شددت على الحاجة إلى بذل المزيد من الجهود لإدماج القطاعات الاجتماعية مثل التعليم والصحة، داعية إلى الانخراط في منطق “الاستغناء عن الوساطة”، كما هو مطلوب في مجال “الاقتصاد التعاوني”.
ولبلورة ذكاء اصطناعي حقيقي، حثت السيدة الشياظمي على فتح البيانات من خلال خدمة البيانات المفتوحة والشبكات الاجتماعية وتطبيقات الاستعانة بمجموعة كبيرة من المصادر الخارجية، فضلا عن استغلال الاتجاهات التكنولوجية الرئيسية في المجال الرقمي مثل الحوسبة السحابية والبيانات الضخمة والأمن الإلكتروني.
وحول الآثار المحتملة للذكاء الاصطناعي على عالم الشغل، سجلت الأستاذة الجامعية أن مسألة المخاطر المحتملة على الوظائف تطفو إلى السطح مع كل تقدم تكنولوجي جديد، وذلك منذ بداية عصر الحداثة.
وقالت بهذا الخصوص “لقد شهدنا هذا عندما اعتُمد الروبوت في المصانع أو عندما ظهرت أجهزة الكمبيوتر في الشركات … سيؤدي اعتماد الذكاء الاصطناعي في شركاتنا بالتأكيد إلى تغيير طريقة العمل، وإلغاء بعض الوظائف وخلق وظائف أخرى”.
ويهدف اليوم العالمي للاتصالات ومجتمع المعلومات، الذي يُحتفل به يوم 17 ماي من كل سنة منذ عام 1969، إلى إذكاء الوعي بالإمكانات التي تتيحها الإنترنت وغيرها من أدوات تكنولوجيا المعلومات في سبيل بناء الجسور بين المجتمعات والاقتصادات وردم الفجوة الرقمية.