بعد مرور ما يفوق العقدين على الظهور الفعلي لمجال التنمية الذاتية بالمغرب، من الضروري القيام بتقييم عقلاني ومنطقي للتعرف على أيُ إضافة قدمها هذا المجال للمجتمع المغربي، وهل له تأثير فعلي وواقعي في المجتمع، وهل وجد لنفسه مكان ضمن منظومة مجتمعية غير كاملة، بالإضافة إلى ما هو أهم، هل تقبل المواطن العادي وحتى المثقف والمفكر هذا المجال؟ هي أسئلة من المفترض أن توجه للمجموعة من المتداخلين والأطراف المتواجدة في هذا النقاش، الذي يراه كل فرد من وجهة نظره ويحدد أبعاده برؤى متباينة ومتفاوتة؟ بعيدا عن تلك البيزنطية الغوغاء التي يتبناها كل فرد للضرب في الأخر دون الرجوع إلى الأصل وهو الحــــــوار والنقاش.
إننا اليوم لم يعد لنا الحق في غض الطرف عن أي مجال في يساهم من قريب أو بعيد في تنمية المجتمع بصفة عامة والفرد بصفة خاصة، وبالتالي من المفترض أن يكون لنا أليات ووسائل بغية تقييم وتقويم كل حركة نقوم بها سواء في مجال التعليم أو الصحة أو الاقتصاد أو السياسة أو الرياضة وباقي المجالات المختلفة التي تصنع لنا الحياة داخل وطن ومجتمع واحد، والتي قد نلمها كاملة ونقول مجال التنمية البشرية والذي بين قوسين يجمع تطوير وتقويم وحتى تقييم جميع المجالات الحيوية والغير حيوية التي تهم المجتمع برمته بمؤسساته وأفراده.
بعيدا عن إلقاء اللوم و التنصل من ما قد يورطنا أو يورط غيرنا في النتائج سواء كانت إيجابية أو سلبية، سنحاول تحديد ماذا قدمته التنمية الذاتية أو تنمية القدرات و تطوير المهارات الفردية للأشخاص داخل المجتمع المغربي على غرار اللمسة التي قدمها ذات المجال في الدول الغربية و بعض الدول العربية “وخصوصا ذات الطبيعة الانكلوفونية” ، و من خلال ارتسامات بعض الإخوان و الأخوات سواء مدربين أو مستفيدين أو حتى بعض الناس العاديين و بعض المفكرين و المثقفين فالغريب في الأمر أن هناك إجماع على أن هذا المجال لم يقدم أي إضافة للمجتمع المغربي لعدت اعتبارات و التي سألخصها في الفقرة القادمة إن شاء الله، بالإضافة إلى أن هناك شبه إجماع على أن هذا المجال إذا ما استغل على نحو جيد فهو قد يقدم لنا مجموعة من الإضافات التي من شأنها الرفع من إنتاجية الأفراد الذاتية سواء لشخصهم و حتى لمجتمعهم، هي فقط إثارات تتمة لبعض المقالات التي سبق لي و كتبتها حول ذات الموضوع من قبيل التنمية الذاتية بين الوهم و الحقيقـة و أيضا مقالتي بعنوان مدربي تنمية القدرات بين الذاتية و البشرية إضافة إلى مقالتي التنمية الذاتية بين الاسترزاق و تنمية المجتمع، و هي مقالات الهدف منها أولا و أخيرا هو الانتقاد البَنًاء من أجل البِناء و الرفع من قيمة المجتمع.
استنادا لما سبق، ماهي أهم الأسباب التي يا ترى من الممكن أن تكون سببا في عدم تأثير مجال التنمية الذاتية بالمجتمع بالمغربي إذا ما قلنا أن المغرب بدأ يتعرف على هذا المجال لأزيد من عقدين من الزمن، إن أهم الأسباب التي من المحتمل أن تكون سببا في هذه المعضلة هي:
– انعدام الوعي الشامل للمواطن بأهمية الموضوع والمجال بحد ذاته.
– انعدام التسويق الحقيقي للمجال في المجتمع وخصوص عبر وسائل الإعلام العمومي والخاص.
– غياب التأطير القانوني للمجال حيث يعرف تسيبا لا يعرفه أي مجال أخر.
– الخلط لدى المدربين بين الأدوار المنوطة بهم والأطباء النفسيين وغيرهم ممن يشتركون في مجموعة من النقط.
– غياب التكوين والتأطير الجيدين والكفيلين بخلق مدرب قادر على التأثير في الغير.
– غياب المصداقية لدى مراكز التدريب وحتى المدربين “أكيد لا أعمم”.
– التدريب الموسمي حيث نجد أغلب الدورات تكون في توقيت معين من السنة فحين أن التدريب هو مصاحبة ومواكبة للحياة اليومية للفرد.
– غياب التنسيق والتعاون والتكامل بين المدربين حيث تجد المدرب يقوم بجميع أنواع الدورات بشتى التسميات والمجالات بلغة أخرى أنه يفهم في كل شيء.
هذه فقط بعض مما قد نجود به حول الأسباب التي من المحتمل كانت وراء انعدام التأثير الإيجابي للتنمية الذاتية في المجتمع المغربي، وخصوصا في المجالات الحيوية في الحياة العادية كالتعليم على سبيل المثال، وبالتالي يجب تحمل المسؤولية من طرف الجميع المتداخلين في هذا المجال، أما السؤال الجوهري والذي كثيرا ما طرحته “كيف لشخص ليست له القدرة على التقدم في تعليمه الذاتي وضبط أموره والنجاح في حياته أن تكون له القدرة على تغيير سلوكيات وتغيير قناعات الأفراد وتطويرهم؟؟؟”.
كي لا أطيل أكثر ففي هذه الفقرة سأتوجه إلى كافة المدربين و مراكز التدريب و من يتبنون فكر التدريب بغية تطوير قدرات الأفراد داخل المجتمع، إن ما يُنهج من بعض المدربين هو لا يمت بصلة للتدريب و رسالته السامية، بل هو فقط بيع و شراء و تكريس لمبدأ الطبقية و التمييز بين الغني و الفقير، علما أن الفئة الثانية هي الأكبر في المجتمع، و الأكثر احتياجا لهذا المجال، بالإضافة إلى كل هذا فإن على المدربين عدم تجاوز ما يمليه المجال دون التطاول على مهن قارة بحد ذاتها كالطب النفسي و علوم السيسيولوجيا وذلك لنتجاوز كل خلاف محتمل بين الكل بل الانتقال إلى التكامل بين كل هؤلاء لكي يعينوا بعضهم البعض ومن أجل بناء وطن و مجتمع متكامل.
إن مجال التنمية الذاتية ليس وليد اللحظة بل هو قديم قدم البشرية فالإنسان منذ نشأته يحاول تطوير قدراته ومهاراته على الدوام، بُغية الرفع من إنتاجية المجتمع فكفانا ضحكا على الدقون، فاليوم لزاما علينا التفكير في تطوير أنفسنا قبل الآخرين، يا سيدي المدرب و سيدتي المدربة إذا ما بحثتم أن تكونوا قدوة للناس فيكفيكم تجنب قوله تعالى :” يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ( 2 ) كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ( 3 ) إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص ( 4 ) “.
الكاتب: عبد الاله رشقي
عن موقع : فاس نيوز ميديا