بعد أن وضعت الأزمة السياسية بإيطاليا أوزارها بإعلان رئيس الوزراء جوسي كونتي مساء أمس الخميس عن تشكيلة الحكومة الجديدة، الشعبوية – القومية، تدخل البلاد منعطفا غير مسبوق في تاريخها السياسي المعاصر قد يحمل تغييرات كبيرة على مجالات حساسة كالأمن والهجرة والاقتصاد، ويفتح شكوكا حول مستقبلها الأوروبي.
وأكثر ما يثير التوجس خارج إيطاليا ويبعث على الأمل بالنسبة لمواطنيها هو أن من يمسك بزمام الحكومة الجديدة الأولى من نوعها في بلد يعد من مؤسسي الاتحاد الأوروبي ، وجهان سياسيان جديدان وهما لويجي دي مايو (31 ) (المناهض للمؤسسات) الذي عين نائبا لرئيس الوزراء وزير التنمية الاقتصادية والعمل و حليفه المشكك في الاتحاد الأوروبي ماثيو سالفيني رئيس رابطة الشمال (45 سنة) والذي تولى منصب نائب رئيس الوزراء وزيرا للداخلية.
وذكرت صحيفة ( لاريبوبليكا) في عددها الصادر اليوم الجمعة أنه بعد 88 يوما عن الانتخابات التشريعية ليوم رابع مارس و أربع ساعات من المحادثات مساء أمس تم طي صفحة “أطول وأخطر أزمة” في تاريخ الجمهورية بالتوصل إلى اتفاق لتشكيل حكومة الرابطة – خمس نجوم، ليبدأ بعد أداء اليمين الدستورية زوال اليوم والحصول على ثقة البرلمان الاثنين القادم ، اختبار تنزيل البرنامج الحكومي .
واعتبرت أن أول امتحان للحكومة التي تضم تسعة وزراء من حركة خمس نجوم وستة ينتمون للرابطة وثلاثة تكنوقراط، هو تعديل الميزانية العامة للبلاد ثم الشروع بعد ذلك في تنزيل الوعود الاقتصادية والاجتماعية التي وصفت ب “المتهورة” والتي تعهدت بها حركة خمس نجوم ورابطة الشمال في الحملة الانتخابية .
ولعل أبرز نقاط البرنامج الحكومي التي أثارت الكثير من ردود الأفعال المتباينة هي التنصيص على رفض سياسة التقشف التي تفرضها بروكسيل و فرض تخفيضات ضريبية بعشرات المليارات من الأورو و تحديد 780 أورو شهريا كحد أدنى لدخل الإيطاليين، في الوقت يقدر فيه الدين العام لإيطاليا بـ 2300 مليار أرو.
أما ضمانات احترام المعاهدات الأوروبية فذلك اختبار “عسير”، بالنسبة للصحف إيطالية التي ترى أن بعض مضامين هذا البرنامج “تبقى غير واقعية ” ، لاسيما تلك المتعلقة بالمراجعة الكاملة لميثاق الاستقرار و حكامة منطقة الأورو ونظام البنك المركزي الأوروبي، و هو ما ينمي المخاوف من زعزعة الركائز التقليدية لسياسة امتدت لثلاثين سنة في مجال احترام الاتفاقات الدولية، والتضامن الأوروبي، والهجرة، والاقتصاد، والضرائب.
وحسب خبراء اقتصاديون فإن هذه المخاوف “بديهية لأن المشكلة لم تتم تسويتها” فايطاليا “هي البلد الوحيد الذي يعاني من ديون كبيرة ولم يتبن برنامجا لهيكلة” ديونه.
وتثير الحكومة الإيطالية الجديدة أيضا مخاوف بشأن إدارتها لقضية الهجرة بعد التعهد بطرد 600 ألف مهاجر غير الشرعي والتنصيص في برنامجها الحكومي على اتخاذ إجراءات متشددة في مجال الأمن الذي دائما ما يتم ربطه بالهجرة في ثالث اقتصاد بالاتحاد الأوروبي.
غير أن مراقبين يرون أن تشكيل حكومة شعبوية – قومية لن يشكل تهديدا لإيطاليا أو للمنطقة الأوروبية نتيجة صعوبة المرحلة المقبلة والتي ستتطلب إصلاحات ليست باليسيرة.