منذ 109 أعوام يقصد ساكنة العاصمة الأوروغوايانية، مونتيفيديو، وغيرهم من آلاف الزائرين لهذه المدينة المعرض المفتوح ل”تريستان نارفاخا”، أكبر المعارض من هذا النوع بأمريكا اللاتينية.
كل يوم أحد ينغمس الآلاف من الناس في هذا العالم الذي يعرض “كل شيء” قد يخطر أو لا يخطر على البال، إنه موعد أسبوعي لا يخلفه أحد من الباعة مهما كانت الاحوال الجوية، حتى في أسوإ حالتها، فلابد أن تجد المعرض مفتوحا كما دأب على ذلك منذ نحو قرن وعقد من الزمن.
أصوات بائعي الخضروات والفواكه والزهور واللحوم والأسماك تتعالى ممجدة جودة منتوجاتهم التي تعرض إلى جانب أدوات النظافة والملابس جديدها وقديمها واللوحات المعدنية للسيارات، وكظائم مشروب “الماطي”، و الجبن بمختلف أشكاله، والديكورات المنزلية منها ما هو مستورد ومنها ما صنع محليا، وأشياء أخرى تدخل في خانة التحف كالقطع النقدية القديمة..كل ذلك يشكل فسيفساء غير متجانس من الألوان والأشكال التي تميز هذا المعرض الفريد من نوعه، الذي استطاع أن يضمن لنفسه الاستمرارية لسنوات طوال.
ما هو معروض بفيريا تريستان نارفاخا يستفز فضول الأوروغوايانيين وأيضا الكثير من جيرانهم الارجنتينيين الذين يحرصون على زيارة المعرض خاصة وأن بوينوس أيريس لا يفصلها عن مونيفيديو سوى ساعتين من الزمن كافية لعبور نهر “ريو دي لابلاتا” ليكون الزائر في قلب المعرض.
لقد نشأت المعارض المفتوحة باوروبا في العصور الوسطى بهدف الاحتفال بأيام العطل، ومنها انتقلت إلى أماكن أخرى من مختلف البلدان ومنها الأوروغواي حيث إلى جانب “فيريا تريستان نرفاخا”، الأشهر في البلاد، هناك أيضا معرض “باركي وردو” و “لابلازا بيارتيز”، وفي كل هذه الأسواق المفتوحة تجد ما يحيلك على زمن ولى كالأسطوانات الموسيقية التي تعود إلى ستينات وسبعينات القرن الماضي وآلات التسجيل والتصوير، بل حتى أجهزة التلفزيون ذات الأحجام الكبيرة وأجهزة الراديو القديمة، ولكل تلك المعروضات زبائن أوفياء، يجدون متعة خاصة في اقتنائها لا سيما إذا استوفت شروطا خبروها عن ظهر قلب.
ووسط هذا الهرج والمرج تطالع المتجول بين الموجات البشرية مكتبات غصت جنبات رفوفها بالكتب القديمة والحديثة وأكثرها مبيعا، هي مؤلفات ماريو بينيديتي الكاتب والشاعر الأوروغوياني (1920/2009) صاحب الانتاج الأدبي الغزير حيث خلف أزيد من ثمانين كتابا، وتم ترجمة جزء كبير منها إلى أكثر من عشرين لغة.
وقبل ان يكون المعرض على وضعه الحالي، كان يتخذ في نهاية القرن التاسع عشر من ساحة الاستقلال (بلازا دي لاانديبينسيا) فضاء له ليستقر، لاحقا و بشكل نهائي، بشارع تريستان نارفاخا منذ ثالث أكتوبر 1909.
ويفخر الأوروغوايانييون بهذا المعرض الذي دأبوا على تسميته “فيريا تريستيان” بأن لهم موعدا يتجدد كل يوم أحد مع فضاء للقاء، لا يعتبرونه مجرد سوق عادية لاقتناء ما يلزم، بل يعد في نظرهم، حدثا اجتماعيا ونمط حياة على الطريقة الأوروغوايانية
وإذا صادف وجودك في مدينة مونتيفيديو التي تأسست سنة 1726، في غير يوم الأحد، هناك كثير من المعالم التي ستشد انتباهك، وفي مقدمتها المدينة العتيقة التي تضم العديد من المنشآت الحكومية ومقرات الوزارات والأبناك والمتاحف والمراكز الثقافية بالاضافة إلى المقاهي الأدبية و التاريخية.
كما أن الحي العتيق لمونتيفيديو يضم واحدا من أبرز المسارح في أمريكا اللاتينية والعالم ويتعلق الأمر بمسرح “سوليس” الذي افتتح أبوابه في 25 غشت 1856. وتم تشييده على الطراز “النيوكلاسيكي” ويتوفر على طاقة استعابية ب 1500 مقعد، وهو في ملكية عمودية مدينة مونتيفيديو.
وتظل مونتيفيديو الواقعة على الساحل الجنوبي للأوروغواي على شاطئ ريو دي لا بلاتا مدينة نابضة بالحياة، بساحاتها و هندستها المعمارية وتاريخها، كما تشهد على ذلك “بوابة القلعة” ( بويرتا دي لا سيوداديلا)، وهي الجزء الوحيد الذي ظل صامدا من جدار كان يحيط، في الماضي، بكامل المدينة.