من الصعب العثور في المكسيك، حيث لا يتعدى عدد أفراد الجالية المسلمة بضعة آلاف من أصل ساكنة يصل تعدادها نحو 125 مليون نسمة، على مكان يوحي بأجواء شهر رمضان الكريم وبتلك الحميمية التي تميز الإفطار العائلي في البلدان الإسلامية.
وبالعاصمة مكسيكو، يعد المركز التربوي الإسلامي، الذي ينظم إفطارا جماعيا طيلة أيام الشهر الفضيل لتمكين الصائمين من هذه الأجواء، بمثابة الاستثناء الذي يؤكد القاعدة.
ومع اقتراب موعد الإفطار يتقاطر على هذا المركز، الذي يقع في حي “أنزوريس” السكني ويضم المسجد الوحيد في العاصمة المكسيكية، العشرات من أفراد الجالية المسلمة، الذين يفدون لأداء صلاة المغرب وتقاسم لحظة الإفطار الجماعي مع بعضهم لاستحضار أجواء الإفطار العائلية خلال الشهر الكريم.
ويعد إبراهيم، الأستاذ الجامعي المغربي الذي يعيش في المكسيك منذ نحو 20 عاما، أحد أفراد الجالية المسلمة الذين دأبوا على التردد على المسجد بحثا عن الأجواء الروحية والعائلية التي تميز شهر رمضان.
ويقول، في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، “على الرغم من أنني أقطن على بعد ساعة من هذا المسجد، دأبت على قصده يوميا خلال شهر رمضان لأفطر مع أصدقائي وإخوتي المسلمين وأؤدي صلاة التراويح”.
وأضاف أن “هذا يساعدني ولو خلال لحظة الإفطار على الأقل، على تناسي الشعور بالاغتراب، والبعد عن بلدي الأصل ويخفف من الحنين الذي نشعر به خلال شهر رمضان أكثر مما نشعر به خلال باقي شهور السنة”.
من جانبه، يأسف رئيس المركز التربوي الإسلامي، سعيد الوهابي، لسوء فهم رمضان من قبل غير المسلمين، الذين يرون فيه مجرد اختبار شاق، مشددا على الجوانب الإيجابية للصيام بالنسبة لجسم الإنسان ولروحه.
واعتبر السيد الوهابي، وهو أيضا خطيب بالمسجد، في تصريح مماثل، أن رمضان يكتسي أهمية بالغة بالنسبة للمسلمين. ففي بلد مثل المكسيك، “يمثل الشهر الكريم فرصة لإبراز هويتنا الثقافية والدينية دون مركب نقص وكذا القيم النبيلة للإسلام، مثل التقاسم والتسامح والإيخاء”، مقرا بأن غالبية المسلمين في هذا البلد تعتبر أن الأجواء هنا بعيدة كل البعد عن أجواء رمضان.
وبدوره، يحن مالك، وهو مهندس اتصالات، إلى “سنوات” رمضان التي قضاها في الدار البيضاء مستحضرا “الجو العائلي” الذي كان يسود في بيت الأسرة. “كانت مائدة الإفطار تبدو كحفل يومي ويحفها العديد من أفراد الأسرة”.
ويتذكر بنوع من الحسرة: “تلك لحظات لا تنسى، كان يطبعها التقاسم والسخاء، أحتفظ بذكريات جميلة عنها”.
من جانبه، يتذكر حسن، وهو مهندس ينحدر من مدينة طنجة قدم من برشلونة في مهمة لمدة ثلاث سنوات بالفرع المكسيكي لشركة متعدد الجنسيات يشتغل لحسابها، بدوره لحظات الأجواء الحميمية التي كان يعيشها على مائدة الإفطار رفقة أفراد أسرته.
ويحكي كيف قضى رمضان السنة الماضية لوحده هنا، حيث “كان من الصعب علي العمل طوال اليوم والعودة إلى المنزل في وقت متأخر لتناول وجبة الإفطار والاستعداد لليوم التالي من الصيام”.
ويصعب على حسن المزاوجة خلال شهر رمضان بين عمله وممارسة واجباته الدينية. “نحن نشتغل في وسط لا يساعد على أداء صلاة التراويح كما ينبغي”، يقول المهندس الشاب مؤكدا أن “أجواء رمضان توجد بالمغرب”.
قضاء رمضان في بلد غير إسلامي ليس بالأمر الهين. لكن الشهر الفضيل، الذي هو شهر الصبر والأناة بامتياز، يمثل أيضا فرصة للمهاجر لاستجماع قواه كي يعيش هجرته بشكل أفضل ويندمج في محيطه الجديد، دون استيلاب أو التفريط في أسس عقيدته الإسلامية.