بالرغم من التطور الحاصل في أساليب الحياة وغزو شبكات التواصل الاجتماعي، ظلت القراءة في روسيا سلوكا حاضرا بقوة في الحياة اليومية لغالبية المواطنين، وأضحت ممارسة وطقسا يحرصون عليه أشد الحرص باختلاف أعمارهم وتوجهاتهم ومشاربهم الاجتماعية.
والمؤكد أن من ستتاح لهم الفرصة لزيارة روسيا، بمناسبة احتضانها مونديال 2018 خلال الفترة ما بين 14 يونيو و15 يوليوز المقبل، سيتفاجؤون بكم الإقبال المتناهي للروس، رجالا ونساء و شيبة وشبابا، على القراءة والمطالعة أينما حلوا وارتحلوا، حيث تعتبر القراءة في روسيا “سلوكا عاما وحضاريا ومقوما من مقومات الشخصية وعنصرا من عناصر المواطنة السليمة”.
وبالفعل، فإن الروس من أكثر شعوب العالم حبا للقراءة وشغفا بها، فهي بالنسبة لهم “ليست ترفا في حد ذاته” وإنما وسيلة لمسايرة التطور السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي،الذي يشهده العالم في جميع الميادين.
والأكيد أن زوار المونديال والشغوفين بالقراءة والمطالعة، سينبهرون بالكم الهائل للمكتبات العمومية والخاصة الموجودة بمجموع التراب الروسي. وستكون الفرصة سانحة لهم لإرواء ظمئهم المعرفي من خلال اقتناء والاطلاع على أنفس الكتب وأحدث المؤلفات العالمية، التي تتعلق بجل الحقول المعرفية ،كالثقافة والتاريخ والسياسة والآداب والعلوم.
ويوجد بالعاصمة موسكو وحدها نحو 1200 مكتبة، لعل أشهرها “مكتبة لينين الوطنية” أو (المكتبة الوطنية الروسية) التي تتألف من ستة طوابق. وتعتبر أكبر مكتبة في روسيا وواحدة من أكبر المكتبات في العالم، حيث تحتوي على ملايين المؤلفات والموسوعات والكتب والمخطوطات والخرائط والمعاجم والشرائط الصوتية التي تعود لأكثر من مائة شعب من شعوب روسيا والاتحاد السوفييتي السابق.
ومن أشهر المكتبات التي يمكن لزوار المونديال اكتشافها والاستمتاع بها نجد كذلك مكتبة الأكاديمية الروسية للعلوم بالعاصمة الثقافية لروسيا، سان بطرسبورغ، التي تحتوي على أكثر من 20 مليون كتاب ومؤلف بلغات عديدة، فضلا عن ما لا يقل عن 8000 مخطوط باللغة العربية وحوالي 120 ألف مخطوط باللغات التي تنطق بها الدول الإسلامية.
وإلى جانب المكتبات العمومية والخاصة، سيكون جمهور المونديال على موعد مع مجموعة من معارض الكتب المتنقلة، التي ستقام بمناسبة فعاليات كأس العالم، وترمي بالأساس إلى تقريب الثقافة والأدب الروسيين من الزوار وجعل الكتب في متناولهم بأسعار معقولة.
والعناية بالكتاب في روسيا لا تنحصر فقط في دعم القراءة من خلال إنشاء المكتبات العمومية ودعم المكتبات الخاصة، وإنما تشمل أيضا خلق فضاءات للقراءة واعتماد سياسة ناجعة في نشر الكتاب، وتنظيم معارض على امتداد السنة، إضافة إلى تشجيع الترجمة للانفتاح على مختلف الثقافات والاطلاع على جديد المعرفة.
فمونديال روسيا هو، بالفعل، مناسبة للتشجيع على القراءة وتجديد الصلة بالكتاب والمعرفة، حتى تمتزج المتعة الكروية بالتحصيل المعرفي، في بلد يراهن على القراءة للبقاء ضمن ركب الدول المتقدمة والحفاظ على إرثه وحضارته الغنيين والمتنوعين.