لا تخفي الكاتبة والأكاديمية الأرجنتينية، ماريا كوداما، الاسم الذي يذكر مقرونا بزوجها الكاتب الشهير، خورخي لويس بورخيس، إعجابها بالمغرب وعشقها الكبير لأرض التنوع الثقافي و التسامح والانفتاح ولشعب المملكة الطيب والمضياف.
“أنا عاشقة للمغرب أرض التسامح والانفتاح ولشعب المملكة المضياف، و مازالت الذاكرة تحتفظ بأجمل الأوقات التي قضيتها في المغرب رفقة بورخيس”، هكذا استهلت كوداما حديثها عندما حلت ضيفة على اللقاء الدوري الذي نظمه اليوم الخميس قطب وكالة المغرب العربي للأنباء بمقره ببونيوس أيريس.
في هذا اللقاء، الذي خصص للتطرق لتجربة الكتابة عند ماريا كوداما على ضوء إصدارها الأخير “رلاتوس” (حكايات)، و للغوص في عوالم بورخيس، أحد عمالقة الأدب العالمي، و كذا لمناقشة مواضيع أخرى ترتبط بالأدب اللاتيني المعاصر، قالت كوداما إن “ثقافة المغرب وحضارته مثيرة للإعجاب بشكل كبير والمغاربة يتمتعون برحابة صدر وكرم ضيافة ونبل قيم، قلما نجدها في زماننا هذا”.
وقالت كوداما، ابنة الكميائي الياباني، يوسوبورو كوداما وعازفة البيانو، ماريا أنطونيا سشويزر، ذات الأصول الاسبانية والالمانية، ، إنه يصعب عليها أن تسقط من ذاكرتها زيارتها لمدينة مراكش وساحتها الشهيرة جامع الفنا، خاصة عندما يرخي الليل سدوله ويطلق الحكواتيون العنان للخيال في نسج قصص تشد إليها الواقفين ويحلو السمر مع هؤلاء المبدعين، الذين أثاروا إعجاب بورخيس وكثيرا من الكتاب العالميين، كالاسباني خوان غويتسولو.
وبهذه المناسبة، توقفت كوداما التي تجوب العالم من أجل تقديم ندوات تجعل من تيمتها الأساسية بورخيس وأعماله التي خلد بها اسمه كواحد من أهرامات الأدب العالمي، عند كتابها الجديد “حكايات” الصادر عن دار النشر “ريندم هاوس” والذي زينت صفحاته بعض من رسومات التشكيلي الايطالي، اليساندرو كوكوتشينسي.
وفي هذا الكتاب الذي يقع في 157 صفحة من الحجم المتوسط تحمل كوداما القارئ من خلال أربع قصص وهي “الحكم” و”الديناصور” و “ليونور” و “جون هوكوود” إلى حكايات التوبة والجنون والشعور بالذنب والحياة والموت والخلود.
و تعترف كوداما أن الهوس بالكتابة يسكنها من منذ أمد طويل وقد بدأت ذلك منذ سن الخامسة من خلال كتابة قصص قصيرة، مشيرة إلى أنها تواصل إلى اليوم في سن ال 81 الاستمتاع بالكتابة والمشاركة في الندوات الأكاديمية والفكرية، ومبرزة أن السفر عبر الطائرة ولمسافات طويلة يمنحها إمكانية الإمساك بتلابيب أفكار القصص التائهة، وعندما تكتمل الصورة لديها تشرع في تنزيلها على الصفحات البيضاء دفعة واحدة ولا تعود إليها من أجل التصحيح، على عكس بورخيس الذي كان كثيرا ما يرجع إلى النص القصصي مرات عديدة لعله ينشد بلوغ الكمال.
“كوداما” التي تعني الصدى باللغة اليابانية ليست اسما على مسمى فأعمالها ليست “صدى” لأحد، لأنها بصمت على أسلوب خاص بها في الكتابة رغم أنها عاشت إلى جانب أحد عمالقة الأدب الذي دوخ العالم ب “المرايا والمتاهات” و”الألف” و”مديح الظل” و” سداسيات بابل” و “كتاب الرمل” وغير ذلك من الأعمال الخالدة.
فبالنسبة لهذه الكاتبة التي تتقن كثيرا من اللغات والتي مازالت إلى اليوم تغوص في عالم الترجمة تعتبر أن الأخيرة أصعب بكثير من التأليف لأن المترجم يفكر بثقافتين وعليه أن يكون متشبعا بهما إلى حد كبير إن هو أراد أن يكون موفقا في الخروج من العسر الترجمي الذي يشبه الولادة.
وتعترف كوداما أنها تحس أن ثقلا كبيرا يقع على عاتقها من خلال إشرافها على “المؤسسة الدولية خورخي لويس بورخيس” التي رأت النور سنة 1988، مسجلة أنه يتم بذل جهود كبيرة من أجل التصدي لكثير من المغالطات و الافتراءات التي تنسب زورا إلى بورخيس، ومن هنا تأتي، في نظرها، جسامة هذه المسؤولية.
وفي تقديرها، فإن بورخيس تم إبخاسه حقه في أن يحظى بالتتويج بجائزة نوبل لمواقفه المناوئة لم تكن تروق الكثيرين، خاصة وأنه لم يكن يقبل الجدل بشأنها ولا يتنازل عنها، موضحة أنها مازالت تذكر ذلك اليوم الذي تلقى فيه بورخيس مكالمة هاتفية من ستوكهولم لثنيه عن القيام بزيارة إلى الشيلي التي كانت تعيش زمن الدكتاتورية العسكرية، ليجيب بجملة ظل صداها يتردد في أركان البيت “ما لا يمكن أن يقبله المرء هو أن يكون راشيا أو مرتشيا”، وأغلق خط الهاتف بعدها.
وتضيف أن بورخيس كان يعتبر أن عدم حصوله على جائزة نوبل جعل منه أيقونة خالدة في عالم الأدب وجعل شهرته ذائعة في الآفاق، بخلاف إن كان قد حصل عيلها فيسكون مجرد رقم إضافي يكتب على لائحة المتوجين بنوبل.. وانتهى الأمر.
وعن زمن الانترنيت والتكنولوجيا والتدفق الكبير للمعلومات عبر مختلف الوسائط، تقول كوداما أنه جلب معه كثيرا من المزايا لا يمكن إنكارها، ولكن بالمقابل، خلف ضبابية ولبسا كبيرين لدى القارئ والمتلقي بشكل عام، وفسح المجال أمام الزائف من المعلومات والمتواضع من الأعمال في مختلف المجالات وليس الأدبي فحسب.
ولذلك ترى أن الكتاب يتعين أن يعود ليحتل مكانه الطبيعي بين يدي القراء خاصة الناشئة منهم، المدمنين على استخدام اللوحات الالكترونية والهواتف النقالة وغيرها، مما ساهم في ضعف القدرة على التواصل وجعل من الأطفال والشباب أشخاصا تعوزهم، في كثير من الأحيان، المفردات والكلمات اللازمة للتواصل.
وخلصت كوداما إلى أنه بات إلزاميا إنقاذ ذكاء الانسانية وتصحيح ما اختل من موازين والعودة إلى القراءة و ملازمة الكتاب أفضل صديق للانسان في أي زمان ومكان.
ويندرج هذا الموعد في إطار اللقاءات الدورية التي دأب قطب الوكالة بأمريكا الجنوبية على تنظيمها من أجل خلق فضاء لمناقشة مختلف القضايا المحلية والاقلمية والدولية التي تشمل مختلف المجالات.
ويعمل قطب الوكالة بأمريكا الجنوبية، الذي يتخذ من العاصمة الأرجنتينية بوينوس آيريس مقرا له، على تنظيم لقاءات بشكل دوري، بحضور مختلف وسائل الإعلام المحلية والدولية، تستضيف فعاليات وشخصيات من مشارب شتى لا سيما من عالم السياسة والثقافة والاقتصاد والإعلام والرياضة، لتسليط الضوء على مواضيع تكتسي طابع الراهنية، وأخرى تهم مختلف أوجه العلاقات المغربية الأمريكية اللاتينية.
عن جريدة: فاس نيوز ميديا