بقلم : محمد القاضي(2/2) .. فاعل جمعوي وصحفي حر “رئيس جمعية تاونات تنهض”
تحت هذا العنوان، تناولنا بالتحليل والتشخيص مفهوم الديمقراطية في الجزء الأول من هذا المقال استلهاما من واقعنا المعاش في محاولة منا لمقاربة جوانبها المتعددة ودلالاتها ومعايير تنزيلها وترجمتها على أرض الواقع، وكذلك تبرئتها من التهم المنسوبة إليها من طرف دجالة ومشعوذين ولصوص يختفون داخل أحزاب سياسية.
الجزء الأول من المقال قادنا إلى خلاصة مفادها أن الحديث عن الديمقراطية لا يمكن أن يكون إلا اذا كانت التنظيمات السياسية تحترم ضوابطها ومعاييرها – أي ضوابط ومعايير الديمقراطية – في عملية اتخاذ القرارات وبناء هياكلها وأجهزتها المسؤولة وعملية اختيار المرشحين الذين سيتولون تدبير شؤون المواطنين والمواطنات من خلال المجالس المنتخبة، وهذه العملية أي عملية اختيار المرشحين غالبا ما يتم ذبحها وإجهاضها، بدليل أننا نجد كل قادة الاحزاب واللوبيات المتحكمة فيها استقدموا خليلاتهم وزوجاتهم وأبنائهم وأصهارهم لإبرازهم في صدارة لوائح الريع السياسي، وهذا واضح من خلال وجود عائلات داخل البرلمان ..فهل يمكن الوثوق في هذه الكيانات والكائنات المتحكمة فيها؟؟؟. فهل بهذه الكائنات الثعلبية سنبني وطننا ؟
إن الديمقراطية الحقيقية في اختيار المرشحين تقتضي بالضرورة احترام معايير الاستحقاق ومعايير التعبير الحر “غير المجيش” لقواعد هذا الحزب أو ذاك، في إطار تكافؤ الفرص والمساواة شريطة أن يخضع المرشح الناجح للمساءلة والمحاسبة الدورية من قبل أجهزة وقواعد الحزب الذي ينتمي اليه، قبل مساءلته من طرف أجهزة الدولة المختصة والرأي العام، وأن يحرص حرصا شديدا على الالتزام ببنود البرنامج الانتخابي للحزب على اعتبار أنه يشكل أساس وجوهر التعاقد الاجتماعي بين الناخب والمنتخب.
من هذا المنطلق وتأسيسا عليه، نستخلص أن العملية الديمقراطية التي تنفرز منها أسماء المترشحين، عبارة عن عملية مركبة من عمليات جزئية ينبغي بناؤها وتنفيذها تنفيدا دقيقا عبر ثلاث خطوات أساسية في إطار بناء المسار الديمقراطي وهي:
1- مرحلة اختيار المرشحين.
2- مرحلة التنفيذ
3- مرحلة التقييم
مرحلة الاختيار المرشحين:
يجب أن تتأسس على معايير الاستحقاق أو على أساس معايير واضحة لا تقبل اللف والدوران والتأويل في إطار تكافؤ الفرص والمساواة بين كافة أعضاء الحزب في إطار جو من التنافسية والتعبير الحر لأجل فرز واختيار أسماء المرشحين الذين يفترض أنهم سيمثلون الحزب في المؤسسات المنتخبة.
وتعد هذه الخطوة من أصعب الامتحانات الديمقراطية التي تضع المؤسسة الحزبية ومصداقيتها في محك حقيقي وتحت مجهر الافتحاص ، لأن أي خلل أو سوء تقدير قد يشوب هذه العملية الأولية ، فإنه يصبح من العبث والسخرية الحديث عن الديمقراطية، ونجاح عملية اختيار المرشحين يعني أن الديمقراطية قد أخذت طريقها الصحيح والسليم.
مرحلة التنفيذ
لكي تكتمل عملية البناء الديمقراطي في سكتها السليمة والصحيحة، يتوجب على المرشح الفائز في صناديق الاقتراع، أن يجتهد في ابتكار وسائل تمكنه من تنفيذ بنود برنامج حزبه الانتخابي بطريقة صحيحة وعلمية تساهم في بناء الوعي المجتمعي السليم ورفاهية الانسان وخلق الثروات والتفاعل مع احتياجات مواطن اليوم ومواطن الغد بخطط مرحلية وببعد استراتيجي لاستكمال مسيرة النهضة الإنسانية نحو المجد والعمران والعطاء والابتكار والارتقاء بمستقبل الوطن إلى اللحاق بركب المجتمعات المتقدمة.
مرحلة التقييم
مرحلة التقييم هي عملية يقوم بها الرأي العام ومؤسسات الافتحاص المالي والمساءلة في إطار ربط المسؤولية بالمحاسبة، وفي نفس الوقت ينبغي بالضرورة أن يقوم بها الحزب الذي ينتمي إليه المنتخب بهدف تقييم حصيلته وإجراء مقارنة بين بنود البرنامج الانتخابي وبنود الحصيلة الأدبية لإبراز الفروقات إن كانت موجودة لأجل مقاربة مكامن الخلل التي حالت دون تمكين المنتخب من تحقيق كل ما ورد في برنامجه الانتخابي في بداية ترشيحه للمهمة التي بصددها.
وفي إطار مرحلة التقييم دائما، ينبغي بالضرورة إجراء تقييما ماليا واجتماعيا واقتصاديا ، هل الحصيلة التي تم إنجازها تستحق فعلا الموارد التي تم صرفها في سبيلها أم هي مبالغ فيها، ومساءلة المنتخب عن كل صغيرة وكبيرة بهدف تبريره للموارد المالية المستعملة، وأن كل من ضبط في حقه أي شبهة ينبغي اقتياده إلى قفص العدالة للإجابة عن تساؤلات القضاء والمحققين دون أي تأثير من أي جهة.
هذه هي الديمقراطية الحقيقية التي نريدها لمجتمعنا والتي بدون شك لن يتجرأ المشعوذين والدجالة والمتملقين والزنادقة و”كاريين حنكهوم” من الاقتراب منها، ولن يقترب منها “كل هماز مشاء بنميم”، وبهذا الاسلوب ستصبح مقرات الاحزاب السياسية محجا للعازفين عنها في الوقت الذي ستفر منها طبقات المنافقين وفقهاء “الطلاسيم” وسماسرة خردة البزار الانتخابي.
الديمقراطية إذن في سياقها العام ومسألة مفهومها ودلالاتها وأهدافها وحواملها الاجتماعية تلعب دورا مؤثرا في الحياة اليومية المباشرة، وأفضل ما فيها ممارسة الفرد وتعبيره عن رأيه وقناعاته بعيداً عن أي خوف أو ترهيب طالما أنه يحترم الثوابت الدستورية، وطالما أنها تصب في مصلحة الوطن والمواطن، ولابد أيضا من التأكيد على أن العملية الديمقراطية السليمة عبارة عن ظاهرة اجتماعية وسياسية وثقافية لها قوتها المادية في جوهرها ولها أشكالها وحركتها وتعدد محطاتها المتوافقة مع تعدد أشكالها ، عدوها الجهل والتخلف والأمية ، وحليفها الدائم العلم والمعرفة وصندوق اسرارها وقوتها الجماهير المقهورة والمضطهدة والمستلبة بكل فئاتها وشرائحها .
وفي هذا السياق، يجدر بنا أيضا استنتاج خلاصة مفادها أن ممارسة الديمقراطية السليمة تستند بالضرورة إلى الوعي الديمقراطي الذي تشكل التربية والتعلم وامتلاك المعرفة أساس سلامته، ومن ثمة يمكن التحكم في ضبط آلية ممارسة الديمقراطية وفق قواعدها الصحيحة وتحقيق الأهداف المرجوة منها وفي مقدمتها الجانب المتعلق بتحمل المسؤولية الذي يعتبر شرطا أساسيا لنجاح الديمقراطية لأنه لا يمكن ممارسة الديمقراطية دون مسؤولية ومنها مسؤولية الفاعل السياسي تجاه نفسه وتجاه من يفترض أنه يمثلهم.
عن موقع : فاس نيوز ميديا