أثبت (اللعب الجماعي) مرة أخرى خلال مونديال روسيا، أن كرة القدم هي أولا وقبل كل شيء رياضة جماعية تتجاوز اللعب الفردي، وقد تمكنت بالفعل الفرق الأوروبية الأربعة ،التي ما زالت في السباق من أجل الحصول على التتويج ،من تقديم الدليل على ذلك.
لقد عاش هذا الواقع نجوم كرة القدم الأكثر شهرة خلال المونديال، والذين غادروا لمتابعة باقي مباريات البطولة على شاشات التلفزيون بعد أن انسحبت فرقهم مبكرا ،وهي التي ركزت خططها على الفرديات ،اعتقادا منها أنها قادرة على التغلب على جميع الصعوبات داخل المباراة والتفوق في تغيير مسار اللعبة.
فأمام صخرة اللعب الجماعي تحطمت أحلام ليونيل ميسي وكرستيانو رونالدو ،الذين سعيا منذ عقد من الزمن لنيل لقب أفضل لاعب في المونديال ، ولحق بهم نيمار جونيور الذي سعى بكل قوة للحاق بهذا الثنائي.
وقال روميلو لوكاكو ، رأس حربة الفريق البلجيكي وصانع الهدفين أمام البرازيل “كان لدى الفريق الوسائل للتغلب على هذه البرازيل العظيمة، بشرط أن نفكر ونمارس لعبا جماعيا“.
وبعد المباراة صرح المدرب الاسباني للشياطين الحمر روبرتو مارتينيز قائلا ”المونديال لا يعير اهتماما للموهبة ولكن للفرق، لاعبو فريقي ليسوا موهوبين فحسب، بل يمتلكون قوتين نفسية وإنسانية كبيرتين. كان من الضروري التوفر على ذلك لتحقيق الأداء النهائي لإسقاط البرازيل”.
ولا يفتقر المقاتلون البلجيكيون للأسلحة لكتابة صفحة من تاريخهم في كرة القدم. ويمكنهم أن يتباهوا بأنهم تغلبوا على منافسيهم ،في مباراة الثلاثاء المقبل ،العام 2002 بهدفين لواحد في مباراة ودية جمعتهما في (ستاد دو فرانس) بباريس فقط عشية المونديال الذي احتضنته كوريا الجنوبية واليابان .
ولأول مرة سيلتقي الفرنسيون بالبلجيكيين، في مباراة قوية وحاسمة، وهما الفريقان المليئان بالمواهب الناضجة، الذين يعتمدان على السرعة في تنفيذ كل الهجومات المنسقة كما الهجمات المضادة ،علاوة على نجاحهما في تقليل المساحات أثناء المهام الدفاعية.
وفي هذا الخضم، سيلعب هؤلاء المهرة الـ 22، والذين يتوفرون على مؤهلات مبهرة متخلصين من نظام النجوم واللاعبين السوبير، ليعيشوا التواضع في الميدان، وعينهم على كيفية صناعة اللعبة وحبكها مجتمعين بهدف الفوز وضمان مقعد في النهائي.
وسيكون لاعبو ديديي ديشان ،الذين حطموا قفل أفضل دفاع في البطولة (أوروغواي، هدف واحد دخل شباكهم قبل ربع النهاية)، في مواجهة أفضل هجوم (بلجيكا، 14 هدفا).
وفي المباراة الثانية تستحضر أيضا هذه التفاصيل ذاتها عند الكرواتيين. والذين لم يتجاوزوا منذ 2008 الدور الأول قبل أن يحققوا نجاحا باهرا في البطولة بفوزهم الساحق على الأرجنتين ب 3 أهداف لصفر ،وهو الفريق الذي خاض نهائي مونديال البرازيل العام 2014 وكان أحد المرشحين المفضلين للفوز بمونديال روسيا.
وفي المباراة الثانية (إنجلترا ضد كرواتيا) تستحضر أيضا هذه التفاصيل ذاتها عند الكرواتيين. والذين لم يتجاوزوا منذ 2008 الدور الأول ،قبل أن يحققوا نجاحا باهرا في البطولة بفوزهم الساحق على الأرجنتين ب 3 أهداف لصفر ،وهو الفريق الذي خاض نهائي مونديال البرازيل العام 2014 وكان أحد المرشحين المفضلين للفوز بمونديال روسيا.
لقد مثل ذلك تحديا وتحذيرا واضحا وحقيقيا للمنافسين. وأصبح الآن لدى ”الفرتينيين“ الفرصة ربما لتجاوز المركز الثالث في منصة التتويج التي حصلوا عليها ببراعة على أيدي الجيل الذهبي لكرة القدم الكرواتية، في مونديال فرنسا العام 1998 بقيادة النجم دافور سوكير أفضل هداف (ستة أهداف) ،والذي أطاح بالغول الألماني في ربع النهاية بثلاثة أهداف لصفر.
ضحيتهم هذه المرة كان فريق “سبورنايا” الروسي ،إذ لم يكتفوا بالوقوف ندا قويا، بل قدموا الدليل مرة أخرى أنه بعد أدائهم الهائل ضد الإسبان، مصممون على ترك بصمتهم في هذا المونديال.
ومنذ انطلاق المونديال لم يكن أي شخص قادرا على المراهنة على الفريق الروسي، الذي لم يكن يتجاوز تصنيفه الرتبة ال 70 ضمن قائمة الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا) الدورية ، لكن الفريق تمكن من تحطيم كل تلك المسلمات وخلخلة كل التوقعات بعد تقديمه للعب جماعي ونهح لاعبيه للعب تضامني داخل الملعب ،ساعين مجتمعين لإبراز مقدراتهم ورفع راية بلدهم.
وعن ذلك يقول المهاجم الروسي أرتيوم ديزيوبا “إن اللاعبين الذين يلعبون بقتالية قل نظيرها، ولا ينخرطون في التفكير في الألم والتشنجات، ويلتزمون بالانضباط والصرامة، يقدمون في الواقع عرض مواهب نقية“.
ويقول المدافع إيليا كوتيبوف “إن سر نجاح المنتخب الروسي هو مشاركة الجميع لتحقيق نفس الهدف. أعني المجموعة بأكملها بمن فيهم البدلاء ، والطاقم التقني والأطر.. وهو موقف أثمر منذ بداية البطولة“.
وضمن مجموعة الأربعة للمتأهلين هناك الفريق البريطاني ،والذي أبان بدوره عن روح الفريق وأداء جماعي باهر ،خصوصا خلال مباراته أمام السويد والتي فاز فيها بهدفين لصفر.
ويعد هذا الفريق ثاني أفضل هجوم في المونديال ب 11 هدفا معادلا بذلك فريق “الأسود الثلاث” في عدد الأهداف التي حصل عليها ،وقد فاز بمونديال 1966 الذي احتضنته بلادهم.
ولا تستبعد أي من هذه الفرق الأربع التي وصلت للنصف النهائي طموحها في أن تكون بطلة العالم في 15 يوليوز الجاري. ولم تتبق سوى مبارتان حاسمتان وهامتان أمام التتويج النهائي.
كل شيء الآن ممكن وما هو مطروح فقط القيام بالشيء الصحيح. وفي هذا السجل ، ليس لديهم أي دروس يتلقونها بعد أن ألقوا جانبا بكل الفرق المفضلة.
يذكر أن مباراة فرنسا وبلجيكا ستحتضنها مدينة سان بطرسبورغ الثلاثاء المقبل، فيما تلعب مباراة كرواتيا وبريطانيا يوم الأربعاء بلوجنيكي.
عن جريدة: فاس نيوز ميديا