تحفل المواقع الاجتماعية بصور الفرحة المفبركة وبهجة الحياة (نحن في عطلة)، تكثر مشاهد الاصطياف و تسويق الفرح الزائف وترف العيش، تكثر الاحتفالية البطنية من خلال عرض موائد دسمة تتسم بالبذخ والترف. مقولة نحن في عطلة تحتاج إلى لازمة ثانية (لا داعي للسرعة والتبذير). اليوم لن أتحدث عن محدودية سرعة الطرق الوطنية ولا عن الطريق السيار، اليوم سنتحدث عن ثلاثية التحدي المشتركة والتي تواجه الأسر المغربية على مستوى التغطية المالية لكل المستجدات والتي حتما تلقي بالأسر لماما في خانة دوام تفكير التدبير اليومي لأزمة المصاريف المتزايدة و المتراكمة بتسلسل زمن المستقبل اللصيق.
حين يتحدث المغاربة و تسمع لقول الجميع بمطلق التخصيص، تحس وكأننا نعيش في دوامة ضائقة مالية مزرية نكابد فيها الهم الدنيوي وكفاف حيلة اليد، تقف أن المغرب عموما على حافة الإفلاس والسكتة القلبية. لكن الصدمة الثانية المعاكسة حين تتصفح المواقع الاجتماعية بالرؤية الخاطفة ستنفض لغة المعارضة القديمة و الجديدة، سترمي بآيات تمطيط مساحة واتساع الأزمة جانبا إلى حين، و ممكن لحظتها أنك ستتقمص لغة الأغلبية الموقرة الحكومية وتقول (العام زين، والمغرب بخير، والحمد لله كلشي عايش).
لعبة الإشهار و الاستهلاك المهلك سكنت المغاربة و ألهبت نار احتراق كل مدخراتهم لـ (دواير الزمان)، استحوذ الترف الرخو من كل العقول والجيوب حتى المثقوبة منها بالأساس. لعبة الإشهار من عهد صورة تلفاز الأبيض والأسود (فؤاد عندو مشاكل مع شعرو…فقط) دفعت بالجميع إلى تبني رؤية تفكير البرجوازية و العيش المثيل بالتقمص الشبيه، وإلى ممارسة حياة الترف الزائف (اليوم فرح ونشاط و غدا أمر…).
لنعد إلى ثلاثية التحدي، والتي تتناسل بالتوالي والتوازي، فمن العطلة (للجميع) إلى لغة مباركة (العواشر) إلى عيد الأضحى و الكبش الأملح، إلى الدخول المدرسي و الجامعي. هي إذا المنعرجات الطرقية الثلاثية القاتلة والفتاكة بعوائد الأسر المالية، هي بوار حيلة يد الأسر المغربية و إعلان الشكوى و التذمر. هنا سندفع بالقول إلى خاصية فريدة النوع وهي أن المغاربة يصطنعون الفرحة الرخوة حتى في المواقع الاجتماعية وبجانب البحر والمسابح و المصايف، هنا سنقر أن مطالب العيش الكريم قد زادت درجة من سلم مطالبها إلى تمكين جل المغاربة من الاستفادة من الموارد الطبيعية للبلاد بما فيه المجال السياحي…
ستنتهي قصة العطلة عما قريب، وسيحتل رأس الكبش السردي بدل الوجوه الملاح على المواقع الاجتماعية، سيصبح (الحولي) البطل القادم من عمق الجبال المغربية، سنجد تدوينات عديدة وأرقام هاتفية لأجل التضامن لإسالة دم خروف مع أسر فقيرة. من الشاطئ و بهرجة الحياة، إلى جلبة سوق المواشي و الشناقة والسكاكين، هي التحولات الاجتماعية العفوية التي تتقمص أدوار تدبير العيش اليومي وإرضاء مكونات الأسر الحياتية. لن ينتهي أمر الحديث عن (الحولي) إلا بتشويط الرأس في كل شوارع مدن المغرب و ترك البقايا لرجال النظافة، إنهم بحق رجال المواقف الصعبة فتحية تقدير لهم.
بعد تقطيع كبش العيد، وإن سلم لحمه من مكر الكسابة، سيوضع حتما في الأكياس البلاستيكية المحرمة قانونيا والتي تباع في السوق السوداء وبثمن مضاعف. بعد هذا تسقط الأسر المغربية لزوما عند موعد الدخول المدرسي و الجامعي وهي عملية تشليل مذبح الجيوب بما بقي من المال. دخول مدرسي و جامعي يتوزع بين العمومي والخصوصي و تزداد مصاريفه سنويا. حينها ينتقل المغاربة من صور بذخ وترف العطلة إلى الشكاوي و الحديث عن الأزمة والمطالبة بموسم اجتماعي حارق، وعن مطالب الإصلاح باستمرار السلم الاجتماعي.
هي المفارقات الاجتماعية الحربائية التي تغير لونها حسب الطلب والعرض، هو المغربي الذي يحاول بما أوتي من قوة على أن (يجمل) حياته وحياة أسرته ولو عن طريق شبابيك الاقتراض الفتاكة، هي الدولة التي ربت فينا قيم الاستهلاك الباذخ دون أن تساير دورها في تحسين طاقة العدالة الاجتماعية. لا عليكم انتهت العطلة بشواء وحمل للمحافظ وكل عام وأنتم بخير.
محسن الأكرمين
عن موقع : فاس نيوز ميديا